إيران وتركيا.. وماذا عن الأكراد؟

2017-07-06 13:56

 

تتجه الأنظار صوب كردستان التي تنوي الذهاب في سبتمبر 2017م إلى استفتاء تاريخي يحدد رغبة الشعب الكُردي في الاستقلال أو البقاء في الحكم الذاتي التي يتمتع به الإقليم منذ 2003م، وتُعد القضية الكُردية واحدة من أكثر أزمات الشرق الأوسط استعصاءً، فلقد مرت هذه الأزمة السياسية بمراحل مختلفة سواء تلك التي تشكلت عقب استقلال العراق أو ما تلى سقوط شاه إيران وصعود نظام الملالي في طهران، ويضاف إلى ذلك النزاع الطويل مع الأتراك.

إقليم كردستان العراق إقليم عراقي يقع شمال البلاد يبلغ عدد سكانه حوالي خمسة ملايين ونصف المليون نسمة، ويتمتع بحكم ذاتي، تحده إيران من الشرق وتركيا في الشمال، وسوريا إلى الغرب وبقية مناطق العراق إلى الجنوب، والعاصمة الإقليمية للإقليم محافظة أربيل. نشأ الإقليم الكُردي نتيجة معاهدة الحكم الذاتي المبرمة في 1970م، عند الاتفاق بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية بعد سنوات من القتال، وبعد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين، اضطر الكثير من الأكراد إلى الفرار والنزوح من البلاد ليصبحوا لاجئين في المناطق الحدودية مع إيران وتركيا، وفي عام ذاته 1991 أُنشئت في الشمال منطقة حظر الطيران بعد حرب تحرير الكويت، مما شكل ملاذاً آمناً سهل عودة اللاجئين الأكراد.

 

في العام 2003م دخل الأكراد في العملية السياسية وتحولوا إلى جزء فاعل فيها، فلقد أسهم سقوط نظام صدام حسين في تمهيد الأرضية لذلك، فعمل كل من «الاتحاد الوطني الكردستاني» و»الحزب الديمقراطي الكردستاني» أدواراً كبيرة في العملية السياسية، وعملت اللوبيات الكُردية في واشنطن وبرلين ولندن أدواراً سمحت بأن يكون الحزبين (الوطني والديمقراطي) أذرعاً سياسية مؤثرة تجاوزت أحياناً التأثير المحلي إلى الإقليمي خاصة مع رفض إيران تقديم أي تنازلت للقومية الكُردية، كما أن الأتراك لهم موقف صارم تجاه التطلعات الكُردية السياسية.

 

سقوط الموصل في العام 2014م بقبضة تنظيم «داعش» الإرهابي فرض الأكراد كلاعب أساسي في مواجهة التمدد الجغرافي للتنظيم الإرهابي، فلقد لعبت قوات (البشمركة) دوراً في تأمين حدود بغداد ومنع «داعش» من الوصول إلى العاصمة العراقية، وتمكنت الأجزاء العراقية الوسطى والجنوبية بفضل القوات الكُردية من أن تكون في مأمن من خطر «داعش»، غير أن أوائل العام 2017م شهد ظهور قوات سوريا الديمقراطية الكُردية والتي وافقت الولايات المتحدة على تسليحها في إطار محاربة «داعش» وإستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 

ظهور الجانب الكُردي في سوريا عزز بشكل أكبر من تطلعات الأكراد في العراق برغم من الضعف الاقتصادي الذي يعيش فيه الإقليم نتيجة تراجع أسعار النفط العالمية، كذلك للصراع (الكردي ـ الكردي) وتفشي الفساد الاقتصادي داخل مؤسسات الإقليم، لكن يبقى التساؤل حول قدرة الأكراد في الحصول على الاستقلال التام وضم أجزاء جغرافية أكثر في تركيا وسوريا وإيران؟، وتبدو العقبة الأولى في الدستور العراقي الذي يجب أن يتم تعديله ليتوافق مع الاستفتاء في حال قرر الأكراد الانفصال عن العراق.

 

إيران وتركيا يرفضان قطعياً الاستفتاء، فالإيرانيون يدركون أن نتيجة نعم الكردية تعني تشجيعاً للشعب الإيراني للمطالبة بحقوقه السياسية، وهو ما سيدفع بأكراد إيران إلى الضغط على نظام طهران بمطالبه، وكذلك ترى تركيا التي علقت على استفتاء سبتمبر 2017م أنه خطأ فادح.

 

الاستفتاء الكردي سيضع الأتراك والإيرانيين والعراقيين أمام التطور السياسي الطبيعي والذي جاء في سياقه التاريخي للقضية الكُردية التي عانى شعبها طويلاً، فلا يمكن تجاوز تلك الحقيقة الكُردية وتطلعات الشعب الذي قدم وجهاً مقبولاً في الانفتاح على الآخر والاعتماد على الاقتصاد الحُر وبناء علاقات سياسية مع العالم العربي والدولي مما يعزز الثقة بظهور دولة ناجحة بإمكانها تحقيق ما عجزت عن تقديمه دول مجاورة لها، الأنموذج الكُردي لا يكرس معنى فشل الدول الوطنية بل يعزز ظهور دول جديدة تقوم على تحقيق العدالة والكرامة لشعوبها.