ترابط وتماسك الجنوب أساس النصر

2017-03-23 06:24

 

في كل التحديات يعد التماسك والترابط أساس النصر؛ تماسك العائلة في تحديات الحياة أو الخلافات مع العائلات الأخرى، تماسك المدينة أمام كوارثها، تماسك الدولة في الصراعات الدولية والاضطرابات الداخلية.

وترابط وتماسك طرف أكثر من الآخر يجعل حظه أوفر في النصر، بغض النظر عن عدالة قضيته.. ولو عدنا إلى ماحدث في سنوات الربيع العربي سنجد وقائع ملموسة عن دور الترابط المجتمعي؛ وكيف أن دولاً مثل سوريا وليبيا سقطت في وحل الصراع الداخلي، وتحولت ثوراتها من وسيلة للحرية والحياة الكريمة إلى طريق القتل والتهجير الجماعي ودمار البلاد ووقوعها تحت أذرع الاستعمار الخفي متعدد الأطراف؛ وسبب ذلك أنها فقدت عناصر وقواعد تماسك مجتمعاتها خلال العقود الماضية..

 

وأتذكر أنني كتبت عدة مقالات مقارنة بين دول الربيع ودول الخليج التي حافظت على عوامل تماسكها، فاستطاعت تجاوز فترة ثورات القرن الماضي، وتجاوزت أيضاً الوقوع في ثورات الربيع العربي، الذي كما قلنا انحرفت عن الإيجابية إلى السلبية، أو لنقل حرفته المؤامرات التي عجزوا عن مواجهتها.. وكمثال جديد على قوة تماسك المجتمعات الخليجية نتذكر “قرارات التقشف” التي أصدرتها الحكومة السعودية قبل أشهر، وبلغ تأثيرها كل مواطن ومقيم، فأثبتت أنَّ تماسك وترابط السعودية (حكومة وشعب) لانظير له، ورفعت السعودية إلى أعلى درجات تصنيف الثقة الإئتمانية والآمان الاستثماري العالمي.

 

التماسك والترابط في إطار الدولة (سلطة وشعب) يحدد قوته وضعفه مؤسسات السلطة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) ومدى جودة القوانين وتطبيقها على الجميع دون استثناء أحد مهما كانت مكانته.. والتماسك في اطار الشعب عندما تسقط السلطة أو تنقسم يحدد قوته وجود المؤسسات السياسية والاجتماعية المبنية على أساس المصالح الوطنية، وهي؛ الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.

 

وللمؤسسات السياسية والإجتماعية تأثير مباشر على المجتمع؛ فكلما تطورت فكرياً، وتماسكت في ذاتها، واتسعت لتشكل كتل كبيرة تطور معها المجتمع فكرياً وازداد تماسك وترابط.. وهذه المؤسسات دائماً ماتأتي كتطور طبيعي للتماسك التقليدي الموروث الناتج عن القبلية والعادات والتقاليد العربية والقيم الإسلامية؛ كاحترام الصغير للكبير، واحترام المتعلمين والمثقفين والمشايخ والوجهاء، والتعامل بإيجابية مع الأحكام العرفية.

 

والترابط الموروث مازال حاضراً في اليمن الشمالي. بينما في الجنوب تم تفكيكه عملياً في عهد السلطة الإشتراكية التي حكمت الجنوب بين 1967-1990. ومع الأسف لم يواكب تفكيكه بناء صحيح للأحزاب والمؤسسات الإجتماعية والمدنية… ومايظهر للعيان أنَّه تمسك بقواعد الترابط القبلي في الجنوب في إطار كل قبيلة في مواجهة الأخريات هو في الحقيقة اصطفاف خلف أفراد صنعوا لأنفسهم رمزية قيادية تحت عنوان مناطقي-قبلي.. ولو أمعنَّا النظر في كل جماعة سنجدها خليط من قبائل متعددة.. والجدير ذكره أن وجود الجماعات التابعة للأفراد يشكل خطر على المجتمعات، لأنَّه بعيد عن الفكر وخطاب العقل ويجعل الجماعة المرتبطة منقادة لأهواء الشخص/الأشخاص الذي تخضع لهم الجماعة. ومايميز هذه الجماعات عن غيرها أنها تشهد دائماً انضمامات جديدة وانقسامات لاتتوقف، تتسب بها أهواء وغرائز ومصالح القائد والأعضاء.

 

وبناءً على ماسبق يمكن القول أن المجتمعات التي تفقد أُطر التماسك التقليدية الموروثة، وفي نفس الوقت لم تبني الأطر المؤسسية الحديثة فإنها لاتستطيع وضع خططها، ولايمكنها وضع ضوابط الاختلاف في داخلها، وغالباً ماتتخلى عن الحلول الأفضل وتجنح للحلول الوسطية التوافقية المرضية للجميع، وتعجز عن التمييز بين الأمور المهمة والأمور التافهة، وتهمش فيها العقول، ويسهل اختراقها، وتتأخر في تحقيق أهدافها أو تفشل عن تحقيقها.

 

ختاماً أقول؛ ليس من العيب أن يتعلم السياسي والمواطن القيم والأخلاق التي تبنى بها المجتمعات الناجحة حتى ينجح المجتمع الجنوبي في تجاوز عنق الزجاجة (فمالايدرك كله لايترك جلُّه) ولابدّ من وضع ثقافة الترابط والتماسك الوطنية دروس تعليمية في المناهج الدراسية في كل المراحل الدراسية حتى تثبت في عقول الأجيال وتنمو بنموهم.

وظهور الجنوب بصورة المجتمع المتماسك والمترابط يقنع دول العالم أنَّه مجتمع قوي ذاهب في طريق بناء دولة مستقرة تشارك مشاركة فعالة في استقرار المنطقة، وفِي تأمين الطرق البحرية للتجارة العالمية، في إطار دولة الوحدة أو بدونها.

عبدالسلام بن عاطف