رقصة الغراب حول جثة نتنياهو

2025-08-21 16:17

 

مثلما يرقص الغراب حول الجثة , يرقص بنيامين نتنياهو حول جثته . لم يعد السؤال الذي يطرحه الباحثون , والمؤرخون , في الدولة العبرية حول نهاية رئيس الحكومة الاسرائيلية , وانما حول نهاية اسرائيل , بعدما استنفدت , على مدى العامين الفائتين امكاناتها العسكرية , والسيكولوجية , وحتى رصيدها لدى الرأي العام الغربي الذي كان يرى فيها لؤلؤة الشرق الأوسط .

  كبار المعلقين الاسرائيليين يستذكرون , الآن , كيفية انفجار المملكة الييهودية عقب وفاة سليمان , في الثلث ألأول من القرن العاشر قبل الميلاد , وحيث عزا الفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا ذلك الى "لعنة الهيكل" , كنتاج لغباء أو لجنون , الحاخامات "الذين أعادوا انتاج يهوه , وفقاً لرؤيتهم" !

 لاحظنا كيف أن نتنياهو ينتقل , من معركة الى معركة , ومن حرب الى حرب , لانقاذ رأسه , بعدما خاض تلك المفاوضات اللولبية مع حركة "حماس" , ودائماً تحت شعار ازالتها من الوجود . أما الآن , وقد وافقت الحركة على المقترح الأخير , مع احتمال أن يشق طريقه الى التفيذ كنتيجة للضغط الأميركي اللامرئي , وبعدما علت أصوات في تل أبيب كما في واشنطن تحذر من انفجار اسرائيل من الداخل اذا ما مضى زعيم الليكود في خطته باعادة احتلال غزة , في ظل ارتباك حاد داخل المؤسسة العسكرية .

 المحلل السياسي جدعون ليفي حذر من أن تكون نهاية اسرائيل مثل نهاية اسبارطة التي طالما شكلت المثال للجنرالات الاسرائيليين منذ أيام موشى دايان , وحتى ايال زامير , مرورأ بآرييل شارون , وقد تحولت في نهاية المطاف الى حطام . لكن المفاجأة كانت بكلام نتياهو عن اعتزامه تنفيذ الوصية الالهية باقامة "اسرائيل الكبرى" ما دام العرب قد دخلوا في الغيبوبة الكبرى . في هذه الحال , ما رأي ترامب الذي يراهن على تحويل الشرق الأوسط الى منطقة مستقرة , ومزدهرة , لتبقى بعيدة عن الجاذبية الروسية أو الجاذبية الصينية , على اعتاب صراع حول قيادة العالم بين النسر الأصلع الأميركي والتنين الصيني , وان كان علينا أن نستعيد قول السفير الأميركي في القدس مايكل هاكابي حول تغيير الشرق ألأوسط بأبعاد توراتية .

  هذا في أجواء تشير الى أن أي اتفاق أميركي ـ أوكراني حول الشرق الأوروبي ستكون له تداعياته الغامضة على الشرق الأوسط . هل علينا , كلبنانيين أن نبقى في غرفة الانتظار التي هي , في حالتنا , غرفة النار , بعدما هدد قائد المنطقة الشمالية الجنرال أوري غوردن باحتلال الجنوب اللبناني , وربما لبنان كله اذا لم تقم الحكومة اللبنانية بتجريد "حزب الله" من سلاحه , وبطبيعة الحال في اطار جدول زمني محدد .

  ولكن ما صرح به توماس براك , أثناء زيارته الأخيرة لبيروت بصحبة مورغان أورتاغوس , يشي بأن القرار الأميركي لا حرب في لبنان , مع تكاثر الحديث عن امكانية شن ضربات اسرائيلية على ايران من شأنها ليس فقط زعزعة النظام هناك . بل تقويضه  وهو الحلم الاسرائيلي القديم . وهذا يعني أن "حزب الله" سيفقد سنده الأساسي في كل المجالات , وهو السيناريو من عدة سيناريوات للاستيعاب العسكري والاستراتيحي للمنطقة .

  وهنا تشير مصادر ديبلوماسية أوروبية الى أن فرنسا بذلت جهوداً مضنية لدى الادارة الأميركية , من أجل اقناعها بمدى الخطر الذي يتهدد لبنان اذا ما ازداد الضغط عليه لنزع سلاح "حزب الله" , ما يمكن أن يفضي الى اندلاع حرب أهلية , مع قيام عواصم اقليمية بتأجيج المد الطائفي ضد الحزب الى حد ينذر بأخطار هائلة . وفي النظرة الفرنسية فان زعزعة الوضع الشيعي قد تتيح اقامة نظام اسلامي في لبنان , ربما يكون أكثر تطرفاً من النظام الاسلامي في سوريا , بالحرب المفتوحة ضد الأقليات . تالياً تهديد وجود الدولة اللبنانية التي انتظمت , بعد قيام "جمهورية الطائف" , على نوع من التوازن , وان كان التوازن الهش , بين الطوائف .

  في هذا السياق ينتظرلبنان عودة توماس براك ومورغان أورتاغوس الى بيروت للاطلاع على الخطة التي وضعها الجيش لنزع السلاح , وان كانت المعلومات تشير الى امكانية ارجاء الزيارة بسبب عدم الاتتهاء من اعداد الخطة التي لا يمكن أن توضع على الورق , دون التفاهم مع "حزب الله" . والا كان الصدام الحتمي بين المؤسسة العسكرية والحزب , في ظل تفكك داخلي قد يأتي بعواقب وخيمة على الكيان .

  اللافت هنا أن السناتور الجمهوري البارز لندسي غراهام يرافق براك واورتاغوس , وهو المعروف بنأييده الأعمى للدولة العبرية , حتى أنه تبنى دعوة وزير التراث الاسرائيلي عميحاي الياهو بالقاء القنبلة النووية على غزة لازالة الفلسطينيين من القطاع , ما يساعد على ضمه , اضافة الى الضفة الغربية , الى اسرائيل , فهل تكون زيارته لنقل رأي الكونغرس الى المسؤولين اللبنانيين , وهو الذي كان المفكر الفلسطيني الفذ ادوار سعيد  يصفه بـ "الكنيست الأميركي" .

  أوساط مرجع سياسي لا تستبعد أن يطرح سيناتور كارولينا الجنوبية , والأكثر قرباً , وربما الأكثر تأثيراً , على دونالد ترامب  مسألة القيام بخطوات في اتجاه قيام علاقات طبيعية بين لبنان واسرائيل , اذ تبعد الخطر الجيوسياسي الايراني عن لبنان , تؤدي الى اسشراء حالة من الرخاء فيه , بعدما كان , وعلى مدى عقود , مسرحاً لكل اشكال الصراعات ...

  ما لنا الا الانتظار في غرفة النار !!