انتشرت مؤخراً ظاهرة تأسيس المجالس الأهلية في بعض المحافظات اليمنية وخاصة الجنوبية، كخطوة تعكس في ظاهرها عمل أهلي لسد فراغ الدولة وغياب مؤسساتها نتيجة الحرب، وعدم الوثوق بالمجالس المحلية التي يرى فيها السكان أحد أذرع النظام السابق ، لكنها في باطنها لا تخلو من محاولات جديدة لتنظيم "القاعدة" في اليمن لصناعة أدوات وعوامل جديدة، للتوغل في المجتمع لفرض سيطرته عليه عبر بوابة الأهالي، في ظل التنافس المحموم الذي برز بشدة بعد انتهاء الحرب في بعض المدن بين تنظيم قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية داعش، لفرض سيطرة كلاً منهما سلطته في بعض مناطق اليمن.
كثيرة هي العوامل التي يستغلها تنظيم "قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية"، ويحرص على بقائها، بل يتعمد في انتاجها، لأنه يرى في وجودها أفيون بقائه في اليمن، لهذا نجده يستغل فراغ السلطات، ووضع اللادولة باساليب عالية المفعول، للتأثير على مزاج ونفسية المواطن ليقدم نفسه بديلاً لملؤه، بإظهارعناصره ، مسالمون، بسطاء، لكسب رضاء المجتمع ليستدرجون المواطن بطرائق جاذبه، ومغالطة لحقيقتهم الدموية الثابته الخطرة على المجتمع، تركز معظمها على توفير حاجياته، ليصل بذلك إلى مرحلة التمكن لفرض سيطرته على الأرض.
يمكن تشبية الحرص الذي يبديه تنظيم القاعدة في اليمن ، لمواكبة مختلف الظروف لتغيير نهجه وسياسة تعامله "شكلياً"مع المجتمع ليتوافق مع طبيعة الوضع ، المكان، والزمان بأنه أشبة بالحرباء التي تخلع لون جلدها لتستبدله بلوناً آخر، لتتماهى في الوسط المحيط بها،ولإثارة إعجاب البشر، فنرى التنظيم لا يختلف عنها تماما في تماهيه وسعيه لإعجاب الوسط المحيط به، وهكذا استطاع استمالة المواطن وتقديم عناصره كبديل متاح لملأ الفراغ الذي تخلفه الحرب في اليمن، ففي الصراع السياسي ما قبل الحرب استطاع استغلاله لتعميق الخلافات بين الفرقاء السياسيين، وتحقيق مكاسب لفرض وجوده بخلط الأوراق بينهم، وفي الحرب الراهنة التي ظهر فيها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قدم التنظيمان نفسيهما الحامي للأهالي أو "الحليف الوهمي" في المناطق التي شهدت المواجهات المسلحة، وعلى أنهما يساندان المقاتلين السنة ضد الحوثيين والمد الشيعي ، وهما في الواقع يستفيدان من أحداث المعارك اليومية؛ ولازلنا نتذكر كيف مثّل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بجثث الضحايا الحوثيين، وجابوا بها شوارع المدن في الجنوب على متن سيارات رافعين عليها رأية "تنظيم الدولة الإسلامية"، لإثبات وجودهم في الساحة، ولإرهاب الناس بهذه الأعمال المرفوضه من قبل عناصر المقاومة الشعبية الموالية للشرعية؛ وقد نجح التنظيمان "القاعدة" و"داعش" إلى حد بعيد في تسويق موقفيهما في الحرب، كحلفاء للسنة ضد الحوثيين، لكسب التفاف شعبي من الشباب بتصوير حالهما بالمنتصر في الحرب، لجنى مكاسب، بشرية، ومادية، ومعنوية كبيرة، واستخدامها في الوقت الراهن على الأرض لاستغلال فراغ الدولة ومؤسساتها ولإظهار إنهما البديل عنها.
ولكون فراغ الدولة هو القاسم المشترك الذي يجتمع حوله التنظيمان، نلاحظهما يعملان بكل قواهما لاستمرار بقائه، ذلك ما يفسر إرتكابهما جرائم الاغتيالات الفردية والجماعية، وعمليات التفخيخ ضد شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية، التي تؤكد سعيهما للحفاظ على استمراره ، ونشر حالة الفوضى في المجتمع لمنع أي خطوات واجراءات تتخذ لبناء الجيش والأمن في المناطق المحررة، باستهداف المجندين الجدد بعمليات التفخيخ الإرهابية، وكان آخرها التفجير الانتحاري الذي أستهدف معسكر رأسع عباس بمديرية البريقة في محافظة عدن جنوبي اليمن في 17 فبراير، واسفر عن قتل 13 مجند من قوات هادي وجرح أكثر من 52 آخرين، وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه وقال التنظيم في بيان له نشر على تويتر "إن العملية تمت عبر تفجير انتحاري بحزام ناسف نفذها "أبو عيسى الأنصاري".
كما لا يمكن وصف سعيهما المحموم على إبقاء فراغ الدولة كهدف متفق عليه، وإنما لإصرار، كلاً منهما بطريقته على فرض نفوذه في الساحة للسيطرة على بعض المناطق في اليمن من خلال ملأ الفراغ فيها، وقد بات واضحاً وقوفهما ضد أي خطوات لاستعادة الدولة ومؤسساتها، باستخدام شتى الوسائل، الاغتيالات، والتفجيرات أو بتقديم البديل، تعميم تجربة المجالس الأهلية بالمكلا حتى أصبحت بعض المحافظات فريسة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية داعش، ويرى الكثيرون أنه لا بد لهذا الإصرار والتنافس " صراع البقاء" أن يوصلهما إلى نقطة الاحتراب.
ومهما حاول التنظيمان "القاعدة" و"داعش" تبييض صورتهما وتلميعها في عيون المواطن بتعميم هذه التجربة أو تلك أو إرهابه ، لكسب وده أو اخضاعه، فإن وقوفهما ضد استقرار الوضع أمنيًا واقتصاديًا ومعيشيًا، يزيد من تصويرهما في نظره بإنهما العدو الأول والرئيسي له، حتى وان أختلفت نسبة مستوى خطرة لرفضهما إندماج الشباب في مؤسسات الدولة والتحريض على منعهم من الالتحاق بالمؤسسات الأمنية والدفاعية، واستهداف كل من يحاول الالتحاق بالتجنيد، وكذا المسؤولين، واستمرار مراهنتهما على الاستفادة من فراغ الدولة، بعد أن صار كالأفيون لانتشار التنظيمات الإرهابية والعصابات المسلحة والفوضى في اليمن.
أن عدم اكتراث السلطات الشرعية بالأثار السلبية الناجمة عن صمتها ازاء ما يحدث، وتأثيراته الآنية والمستقبلية على استقرار المجتمع اليمني، سيهز صورتها في المجتمع وسيؤدي لتنشئة جيل فاقد الثقة بالدولة، وقد يفسر هذا الصمت وكأن طرفي الحرب، يفسحان المجال للتنظيمات الإرهابية، لسد فراغ الدولة الذي يخلفه احترابهما منذُ ما يزيد عن العام، بل أنه سيضعهما في حال عدم تداركهما لخطورة الوضع، والاتجاه لوقف الحرب، في مستوى لا يقل خطورة عن خطورة التنظيمات الإرهابية على المجتمع ، التي تتخذ من وضع فراغ الدولة أفيون بقائها لفرض سيطرتها في بعض المناطق والتحكم في حياة اليمنيين.