لا نشعر بحجم خطورة مأساة المواطن في اليمن، المعيشية، والمالية والإنسانية، إلا عندما نرى عجزه ماثلاً أمام أعيننا عن توفير أبسط متطلبات العيش ، وتسمع أذاننا دعاءه يردده ليل نهار لله سبحانه وتعالى طالباً أن تنزاح عن حياته هذه المآسي، بعد أن بات الإرهاب والحرب وأضرارهما المالية يخطفان فرحة العيد من عيون أطفاله كل عام، وبعد إن صار غير قادر على مجابهة الغلاء الفاحش في الاسعار، وهذا الوضع المخيف في ظل ما يشهده الاقتصاد اليمني من تدهور وانهيار، أفقد العملة الوطنية قيمتها الشرائية في السوق، دون اتخاذ الحكومة اجراءات اقتصادية عملية تخفف معاناته المعيشية والإنسانية.
لم يكُن الضرر المالي، والمعيشي الذي يطال حياة المواطن ناتجاً فقط عن الحرب وما خلفته من أوضاع غير آمنة، أدت إلى توقف المشاريع وتراجع النشاط التجاري، وأجبرت الشركات والمؤسسات التجارية على وقف أنشطتها، أو إفقارها، وفقدان العمال لأعمالهم، ونزوح السكان من مناطقهم، في ظل غياب الدولة وعجزها عن توفير الخدمات للمواطن في معظم مناطق اليمن ، بالإضافة إلى تزايد نسبة المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من ٢٠ مليون يمني منهم ٩.٨ ملايين شخص يحتاجون بشدّة لمساعدات منقذة للأرواح بحسب التقارير الأخيرة الصادرة منظمة الأمم المتحدة .بل إنه استكمالاً للضرر المالي والمعيشي الذي الحقته التنظيمات الإرهابية باليمن وبمواردها الاقتصادية التي تشكل الشريان الرئيسي لاقتصاده، فمنذُ أكثر من عقد قبل الحرب استهدفت العمليات الإرهابية المنشآت والشركات العالمية العاملة في قطاعات النفط والغاز دفعها لمغادرة البلد ووقف أنشطتها، وتدمير خطوط الكهرباء وتعطيل خدماتها، واستهداف السياح وقطاع السياحة، والمؤسسات المالية والمصالح الخدمية والإيرادية المرتبطة مباشرة بالاستقرار الاقتصادي للبلد والمعيشي والخدمي للمواطن كالسطو من قبل التنظيمات الإرهابية، والجماعات المسلحة على مكاتب الهيئة العامة للبريد واموالها في كثير من مناطق اليمن ، وكذا تعرض البنوك والمصارف لنفس الضرر، ومصادرة أموالها، مما دفع بعضها الإعلان عن إفلاسها أو وقف أنشطتها.
من الطبيعي إن يلقي هذا الضرر بضلاله السلبي على الأنشطة التجارية والاستثمارية، وكل القطاعات الاقتصادية في اليمن، وتشويه سمعته خارجياً وتحويله إلى بيئة طاردة للاستثمار، كل هذا الضرر انعكست نتائجه سلباً فيما بعد على استقرار الفرد وممارسته لأنشطته الانتاجية والتجارية، وخلقت واقعاً منتجاً للدمار الاقتصادي والمعيشي في البلد، لتقضي الحرب، وما نتج عنها، فيما بعد على ما تبقى من روح تنبض في جسد الاقتصاد اليمني.
ربما يتمكن المواطن من التغلب على الاضرار الاقتصادية والمالية، والانسانية التي لحقت به جراء الحرب، ويستعيد أنشطته الحياتية واستقراره تدريجياً إذا تعاونت الدول الإقليمية والدول المانحة ومساعدة اليمن؛ لمعالجة أضرار الحرب واحتواء أثارها مستقبلاً من خلال إعمار المناطق المدمرة، ووضع برامج اقتصادية وتنموية، ومالية، تمكن الاقتصاد اليمني من استعادة استقراره ثانية.
لكن قد يصعب التغلب على أضرار الإرهاب باعتبارها أكثر فتكاً، وأحدثت عمقاً كبيراً في بنية الاقتصاد اليمني، وفي الوضع المعيشي للفرد وأصبحت اضراره عاهه في جسد الاقتصاد اليمني يحتاج لسنوات للتعافي منها، لأنه يصعب التغلب في وقت قصير على الأثر الناتج عن أضرار الإرهاب؛ لارتباطه بعدة عوامل اجتماعية وتربوية ونفسية واقتصادية، طالت كل شرائح المجتمع والقطاعات الاقتصادية وأنشطتها التجارية والخدمية، وليس كما يرى البعض انه سيتعافى فقط بمجرد استئناف عمل الشركات النفطية وعودة تصدير النفط والغاز.
لن يتغلب المواطن على أضرار الحرب والإرهاب الذي يتطلع للخلاص منها إلا بتوحيد الجهود المحلية والإقليمية والدولية؛ لوقف الحرب، ومواجهة التطرف والإرهاب واستعادة استقراره المعيشي، واحتواء أثار ضررهما