نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي تقريراً بعنوان «القاعدة» فقدت نصف مناطق سيطرتها جنوب اليمن: أبرز ما ورد فيه «فقد التنظيم ما يقرب من نصف أراضي اليمن التي كانت خاضعة لسيطرته في أواخر عام 2015، على نحو ما أفاد به الكثير من المحللين الأمنيين في البلاد. غير أن التنظيم لا يزال حيا ونشطا في أجزاء من 7 محافظات يمنية على أقل تقدير، ومن بينها محافظة شبوة، وأبين، وحضرموت». وقفت متسائله حول ما جاء فيه عن أسباب بقائه حياً ونشطاً، وعلى ماذا يراهن لإبقاء خطره قائماً حتى بعد طرده من مناطق كانت تحت سيطرته؟! بالطبع هذه التساؤلات ستقود إلى مراهنة التنظيم على عدد من العوامل التي تخلفها جرائمه الإرهابية أبرزها الأثر النفسي للاستفادة منه مع وجود بقية العوامل لإبقائه حياً ونشطاً في المناطق التي طرد منها.
يقول الطبيب النفسي: « فريدريك هاكر» (أن الإرهابيون يسعون إلى «التخويف، وعن طريق التخويف إلى الهيمنة والسيطرة. إنهم يريدون أن يتركوا تأثيراً كبيراً. إنهم يقومون بعملياتهم للتأثير على الجمهور، ويسعون إلى الحصول على مشاركة الجمهور»).
لهذا تراهن التنظيمات الإرهابية «القاعدة وداعش» في اليمن على الأثر النفسي الذي تخلفه عملياتها الإرهابية في المجتمع، ومن الملاحظ أن تركيزها على سرعة نشر أنباء هجماتها الإرهابية هو لإكساب عناصرها القوة، وتشجيع نشوء بيئة خوف وترهيب؛ لتستفيد منها في مراحل متعددة. لهذا لا يقاس تأثير الإرهاب بأعداد القتلى، إنما بالأثر النفسي الذي تتركه هجمات التنظيمات الإرهابية، ولهذا تستخدم العنف الوحشي لما يتركه من أثر نفسي في العامة وتحرص على اتباع الدقة السرعة في تنفيذ هجماتها.
كثيرة هي الأضرار والأثار النفسية التي تخلفها وحشية جرائم التنظيمات الإرهابية، لإبقاء صورة الرهبة والخوف قائمة في حياة المجتمع اليمني؛ لإضعاف شخصية الإنسان نفسياً، وجعله تحت سيطرتها، بإبقائها الحالة النفسية للمجتمع مهيأة لإعادة إنتاج نفسها مجدداً من خلال جعل الأثر النفسي يُهيمن على تفكير الناس، ليسهل لها تحقيق أهدافها كتجنيد شباب جدد وغرس فيهم الأفكار المتطرفة والدفع بهم للالتحاق بها.
تؤكد بعض الحوادث اليومية البسيطة بقاء شبح الإرهاب قائماً في عقول الناس، كحالة الذعر التي يحدثها انتشار الدراجات النارية في معظم المدن الرئيسية للمارة، ولمالكي السيارات، والركاب عند مرورها في الطرقات. وكحالة التدافع والهرب للحشد الكبير من الشباب كانوا متجمعين في ملعب زنجبار بأبين جنوب اليمن مساء ٢٧ يونيو الماضي بحسب ما نشر في موقع عدن الغد عندما رمى مجهول «بيضة» عليهم من خلف السور أثناء تجمعهم لمشاهدة مباراة البرازيل وصربيا ضمن مونديال كاس العالم بواسطة الشاشة عملاقة، تاركين الملعب وهم في حالة ذعر وهلع ضناً منهم أنها قنبلة رماها إرهابي مستذكرين بذلك جرائم تنظيم «القاعدة» الذي سيطر على مدينتهم مرتين في ٢٠١١م و٢٠١٥م. مهما كانت دافع المجهول الذي رمى البيضة؛ فإن النتيجة النهائية للحادثة أظهرت الشعور النفسي الخفي للحشد، وحالة الخوف التي لا تزال تسيطر على حياتهم، وقد ربما تصب هذه النتيجة لصالح التنظيمات الإرهابية، كعامل جس نبض لردة فعل المجتمع، أو لقياس الأثر النفسي الذي خلفته عملياتها الإرهابية في حياة أفراده.
إن التخلص من خطر الإرهاب لا يكمن فقط في طرد وقتل عناصر التنظيمات الإرهابية «القاعدة وداعش»، بل وفي معالجة الأضرار النفسية التي خلفتها جرائمها الإرهابية، وإزالة ومحو تأثيرها النفسي، الذي جعل شبح الإرهاب مستوطناً في ذاكرة، وسلوك المجتمع، ولقطع الطريق عليها، كي لا تستغل هذا الأثر والضعف النفسي والرهان عليه كعامل يُمكنها من استعادة أنشطتها والسيطرة على المدن التي تركتها أو طردت منها.