تنظيم ثورة الجياع

2018-09-11 09:34

 

اذا صح التعبير أن نسمي ما يجري في عدن وبقية محافظات الجنوب منذ أيام من احتجاجات شعبية وعصيان مدني بـ«ثورة الجياع» فهي بحق «ثورة الجياع» لكن ينقصها التنظيم والقيادة الفاعلة والواضحة.. فحتى تكون هناك فاعلية لهذه الاحتجاجات، وأن تؤتي ثمارها، بأقل التكاليف، ينبغي أن يكون هناك حضور عقلاني - فاعل ومؤثر - للاحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية، والكيانات والمنظمات المدنية، في قيادة وتصدر هذه الاحتجاجات، بدلاً من التدافعات العفوية للمواطنين، بحيث تتحول من إحراق للاطارات في الطرقات، واغلاق الشوارع والمحلات التجارية بالإكراه، التي تسبب متاعب اضافية للناس - وخاصة المرضى - إلى تظاهرات ومسيرات اكثر تنظيماً، وبعيدة عن العنف والمصادمات، تمتد على مدار الساعة، وأن تخصص لها ساحات ثابتة، في كل مدن الجنوب - وأولها عدن - توصل النهار بالليل، والليل بالنهار، دون توقف واستراحة، وان يتم إقناع الموظفين الحكوميين بالذات - وخاصة في المرافق والمؤسسات الحيوية - بالمشاركة في هذه الاحتجاجات، بصورة سلمية ومنظمة، لما لذلك من أهمية في نجاح هذه الاحتجاجات، وبلوغ أهدافها، وأن يرافق ذلك إصدار بيانات وإرشادات أولاً بأول، لإطلاع الرأي العام - المحلي والعالمي - على كافة المستجدات والخطوات الاحتجاجية التصعيدية حتى تحقيق الأهداف المطلوبة، التي ترفع عن كاهل المواطن الغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية وتبعاتها، التي تسببت فيها السياسة الفاشلة للحكومة الشرعية في مختلف المجالات، ومنها سقوط قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية إلى الدرك الأسفل وتدهور الخدمات الأساسية!

 

هكذا ينبغي أن تكون «ثورة الجياع» اكثر تنظيماً وثباتاً ورشداً وعلى نحو لائق من الحيوية والفاعلية والعقلانية والحضارية، وبطابع مدني سلمي، دون التعدي على الممتلكات العامة والخاصة واجتناب أعمال التخريب والعنف والعبث غير المسؤول وتعطيل حياة الناس بمزاجية ودون مبررات حتى يحترمها العالم، ويستمع إلى مطالبها ويتضامن معها!

 

لقد ذاق المواطن في هذه البلاد مختلف صنوف العذابات والقمع والتجويع والتشريد والضياع والاضطهاد والتغييب من سنوات بعيدة تتجاوز العقود الستة، وما يزال يعاني حتى اليوم من هذه المتاعب القاتلة، التي ضيقت عليه حياة العيش الكريم والعفة، فلا استقرّ ولا ذاق طعم الرفاهية والسعادة والنعيم كبقية خلق الله في هذه الأرض الواسعة، لا في (عهد الاشتراكي) ولا في زمن (وحدة العصيد والسحاوق) ولا بعد حرب 1994م الظالمة، ولا في زمن الشرعية الحالية، فما يزال هذا المواطن يكافح ويعاني ويقمع ويجوّع لكنه يأبى إلا أن يكون شامخاً فلم يخضع أو يستكين ولم يركع ولن يركع وهو مستمر في نضاله السلمي من أجل البقاء الآدمي ومن أجل الخبز والعيش الكريم، ولكن للصبر حدود، للصبر حدود، بحسب رائعة الأغنية الشهيرة، للفنانة الراحلة «كوكب الشرق» أم كلثوم!

 

لقد فاض صبر هذا الشعب المكلوم الحزين، فلم يعد هناك متسع لديه لمزيد من الصبر، لهذا خرج إلى الشارع بعد صمت طويل خالعاً رداء الخوف للتعبير عن مطالبه ومن أجل انتزاع حقوقه ورفضاً للظلم وسياسة التجويع والامتهان لكرامته وإنسانيته وآدميته!

ستنتصر «ثورة الجياع» بحسب تجارب كثير من الشعوب الحية، وسينهزم سارقو قوت الشعب، سيخرس الفاسدون والعابثون بمقدرات هذه البلاد، وسيذهبون إلى غير رجعة، وعلى الباغي ستدور الدوائر..!