من الشمال إلى الجنوب!

2018-07-26 14:03

 

ربما لم يدر بخلد (الشماليين) حينما انتفضوا وثاروا على (الإمامة) في 26 سبتمبر 1962، أنهم سيمضون إلى المجهول، وسيفضون إلى تناحرات واحترابات وانقلابات أطاحت بكل الرؤساء (معظمهم سبتمبريين)، وأدت إلى واقع آخر لا صلة له بالثورة السبتمبرية، وذات الحال في الجنوب، الذي ثار أبناؤه في 14 أكتوبر 1963م على الاستعمار البريطاني، وأنتزعوا منه الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967، وأجبروه على الرحيل (صاغرا ذليلا) على وقع القصيدة الثائرة للشاعر الوطني الكبير المرحوم مسرور مبروك.

 

ففي الشمال، أطيح بكل الرؤساء الذين تعاقبوا على السلطة والحكم، على مدى (خمسة عقود) من الزمان، ابتداءً من (السلال، الأرياني، الحمدي، الغشمي، وعلي عبدالله صالح )، وهذا الأخير، اغتاله الحوثيون، بطلقة رصاصة، لا تساوي قيمتها (مائة ريال يمني)، ومثله في الجنوب الذي شهد هو الآخر صراعات واحترابات داخلية مؤلمة على مدى (27 عاماً) منذ 30 نوفمبر 1967م وحتى لحظة حرب 1994، أدت إلى الإطاحة بكل الرؤوساء، قتلاً وإبعاداً، (قحطان الشعبي، سالمين، عبدالفتاح إسماعيل، علي ناصر محمد وعلي سالم البيض، الذي أزيح من السلطة من قبل المنتصر في حرب 1994).

 

ومن اللافت أنه بعد كل هذه الأحداث - ومعظمها كانت أحداثاً دامية- التي أطاحت بكل هؤلاء الرؤساء، في الشمال والجنوب معاً، أضحى الآن في كل من الشمال والجنوب (مكونان سياسيان) لم يكونا في الحسبان هما مكون (أنصار الله) في الشمال، ومكون (المجلس الانتقالي) في الجنوب، بعد ان تم جرف كل ما له صلة - مجازاً - بثورتي سبتمبر وأكتوبر. ولعبة السياسة الدولية الملعونة لم تقف عند هذا الحد، بل سبقتها لعب كثيرة، بوجوه وآياد مختلفة- وخاصة في البلاد العربية - مع نهاية القرن العشرين الفائت، ومن ضمنها اليمن،  أفضت إلى انصهار وتلاشي وذوبان ما يعرف بالمد القومي العروبي التحرري، القادم عن مصر عبدالناصر، وحركة البعث - بجناحيه السوري والعراقي- والشيوعيين والناصريين، بكل تفرعاتهم، والتي كانت في أوجها، في فترة الخمسينات، وما تلاها من المراحل اللاحقة، التي أفضت- آنذاك- إلى تحقيق الاستقلال والحرية لكثير من البلاد العربية، بما فيها اليمن - شماله وجنوبه - الذي تحرر من الأمامة والإستعمار، (ويا ريت ما تحرر)، لأن لا الشمال (تعافى) ولا الجنوب (استقر).

 

وعانى الشعب في هذين البلدين - وما يزال يعاني - من الويلات والنكبات والاحترابات، التي لا مستقر لها ولا حدود، فإلى أين نحن ماضون؟ سؤال ينبغي الأجابة عنه بشفافية، من قبل أولئك الذين يخوضون غمار الاحتراب، ويجرون البلاد والعباد إلى ما هو أسوأ من الصراعات والاحتقانات السياسية والمذهبية والطائفية والعنصرية والقبلية..!

إنه لشيء مؤسف

للغاية، أن تنقضي أكثر من (خمسة عقود ونصف) من الزمان، وهذه البلاد لم تخلد إلى الراحة، ولم يذق أهلها وشعبها طعماً للرخاء والطمأنينة والاستقرار والأمن والأمان، فما زال في حالة من الشد والجذب، فيما بينه البين. الشعوب من حولنا في استقرار ورفاهية ونعمة ونعيم، ونحن مازلنا نبحث عن (الكهرباء والماء)، وعادنا ما نستحي نريد دولة اتحادية..فأي حياة هذه؟!.. وأي بلاد..؟!

 

ومن المسؤول الذي يستحق العقاب عن تدمير وسحق أهداف (سبتمبر وأكتوبر)؟

فضاعت الأحزاب، وفتت الديمقراطية - التي هي أصلاً كانت غائبة- ودمر الجيش والأمن وراحا في مهب الريح.. وما خفي كان اعظم..!

 

إنها والله لحسرة وألم، على تلك التضحيات الكبيرة، والنضال الطويل والشاق الذي سقط من أجله كوكبة كبيرة من الشهداء والجرحى والمناضلين.. نحن الآن في (الألفية الثالثة)، ومن المؤسف أننا لم نفعل شيئاً ينتفع به هذا الشعب المغلوب على أمره، في الحياة الحرة الكريمة.. دمرنا كل ما له علاقة بالتنمية والبناء والصناعة والزراعة وغيرها، وأتينا على كل الثروة - نهباً وفسادا - وأصبحنا نستورد كل شيء من الأبرة إلى الملابس والغذاء، ومواردنا من حولنا، ولكن لم نستطع أن نفعل شيئاً نحوها، أو نستفيد منها، حتى النفط لدينا في أرضنا، ونحن نبحث عن (مورد) يأتي لنا به من الخارج. قمة المهزلة والانحطاط في ظل غياب تام للدولة، وأين هي هذه الدولة أصلاً؟!

لقد فقدت هذه البلاد كل أوجه الحياة الآدمية الآمنة والمستقرة والمزدهرة، وحلت محلها لغة الاحتراب والفساد والضياع، فسقطت معها كل القيم والأخلاق. نترك الأمر لله.. فنحن شعب مظلوم.. مظلوم.. مظلوم..!

الأيام