نكبة الأمة تكمن في تراثها المدون والذي تحول مع الزمن لدين يعتقده الناس، وهو ليس بدين، وأدخل الأمة في صراع دفعت وتدفع ثمنه، في دورات صراع دموي عبر تاريخها، حصد الأنفس وأوقف دور الأمة، حيث قال الإمام الشهرستاني" ما سُل سيف ولا سفك دم كما حدث في مسألة الإمامة" والمتفحص لتراثنا الفقهي يجد أن فقهاء التدوين حين دونوا كتبهم حكمتهم مرجعيات ست.
١-أمزجة الحكام ومصالحهم.
٢-بعدهم الزمني عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
٣-تغليب الرواية على كتاب الله.
٤-تأثير عصبية التمذهب (تحويل الرأي والمذهب لدين).
٥-تغييب مفهوم عالمية رسالة الإسلام ورحمته، فهو لم يأتي لعرب الجزيرة في القرن السادس بل لكل الناس ولكل العصور.
٦-إخضاعهم التنزيل الحكيم للجانب البلاغي والتقعيدي للشعر العربي، وربطه ببلاغة الشعر، دون إدراك بأنه كلام الله يتجاوز في بيانه وتفصيله ودلالات مفرداته بلاغة الشعر وقواعده. ولهذا حكمتهم التعضية (تقسيم الذي لا ينقسم)، وترادف اللفظ، وغيبة ترتيل المواضيع والمفردات وسياق الأيات.(الترتيل في المصطلح القرآني ليس قراءة القرآن بصوت جميل بل وضع أياته وكلماته في رتل خلف بعض،لفهم أياته ومفرداته)،
ونشأ عن هذه المرجعيات، فهم نسبي وقاصر عن جوهر الإسلام وعظمته، وقُيّد فهم دين الإسلام بهذه المرجعيات، وزمانها ومكانها، وسقفها المعرفي وأدواتها المعرفية، مما أوجد تراثاً، عمل على تقييد وتعطيل تفاعل دين الإسلام بالناس، بقرائتهم له، وفقاً لزمانهم ومكانهم ومعارفهم وأدواتها، ليتعايشوا باتساق وتناغم، مع زمانهم ودينهم، وهذا هو دور دين الإسلام الخاتم الصالح لكل الناس ولكل زمان ومكان، كما رسّخ هذا التراث في الأذهان، أن كل متعة في الحياة حرام، وكل بهجة مكروهة، ورفع سيف الحرام على كل شيئ، متناسياً أن الحرام محدد ومفصل في كتاب الله، وقد اختص الله به سبحانه دون سواه، ملغياً العقل والتفكير، ومصادراً للحرية، معرفاً الجهاد في سبيل الله، بأنه قتل الكفار فقط، دون تحديد لمقاييس الكفر والإيمان، ودون تفريق بين القتل والقتال، مخلداً الموت والإنتحار، بالشهادة في سبيل الله بقتل الكفار، مغرياً بالحور العين، مهملاً الدور الأساسي لخلق الإنسان، المتمثل في الحياة وليس الموت والعبادية والإستخلاف، والتعارف والشهادة على الناس، مما جعل على سبيل المثال مليشيات الحوثي الإنقلابية، تجيش حملتها ضد اليمنيين تحت شعار "أشداء على الكفار" كما تفعل القاعدة وداعش، وتحول هذا التراث المغلوط الى دين، وبأخذنا ذلك التراث كدين، أبقينا عقولنا في زمن التدوين ومشاكله وسقفه المعرفي وأدواته، والغينا صلاحية دين الإسلام لكل زمان ومكان، كما ألغينا دورنا من خلاله في الحياة والعبادية والإستخلاف والتعارف والشهادة على الناس، من خلال عدم قرائتنا نحن لكتاب الله وصحيح سنة رسوله عليه الصلاة والسلام وفق مشاكلنا ومعارفنا وأدواتها، ونُكبت أمة الإسلام بهذا الفهم الخاطيئ، ولذلك تخلفنا وتجاوزتنا الحضارة الإنسانية، بتعاملها الزماني والمكاني والمعرفي مع قوانين الله في الوجود الكوني والإنساني التي هي عطاء رب الناس لكل الناس.
ولن نستطيع استعادة دورنا الحضاري التكليفي، دون مراجعة دقيقة لتراثنا، وتخليص ديننا، من أغلال الفهم المغلوط، وقرائتنا المباشرة لنصوص ديننا الموجودة في كتاب الله وصحيح سنة رسوله عليه الصلاة والسلام التي لا تتعارض مع كتاب الله، حينها نستطيع التفاعل الحي مع دين الإسلام وفق زماننا ومكاننا وأرضيتنا المعرفية وسقفها، لنجد حلولاً مناسبة لمشاكلنا المعاصرة ولنكون بحق قائمين بتكاليف ديننا في العبادية والإستخلاف، والتعارف والشهادة على الناس، فذلك دور دين الإسلام الخاتم ودورنا وهو طريق خلاصنا في الدنيا والأخرة.
د. عبده سعيد مغلس
٢٦-٤-٢٠١٨