اغتصاب السلطة

2015-03-05 13:08

 

شهدت معظم البلاد العربية في منتصف الخمسينات، وخلال الستينات من القرن العشرين الماضي انقلابات عسكرية وسياسية لافتة، منها ما كانت انقلابات دموية - وهي الأكثر - ومنها غير دموية سلمية - أي صامتة، أودت معظمها بزعامات تلك البلاد، وذهبت بهم إلى غير رجعة، والإتيان بزعامات أخرى غالباً ما تكون عسكرية، وهو ما يسمى في فقه السياسة بـ(اغتصاب السلطة) بطريقة غير مشروعة، وبقوة السلاح.

 

ولنا أن نرجع بالذاكرة قليلاً، إلى الانقلابات المتوالية، التي حدثت في العراق مثلاً.. ابتداءً من الانقلاب على الرئيس عبدالكريم قاسم إلى الأخوين الرئيس عبدالسلام وعبدالرحمن عارف، والرئيس أحمد حسن البكر، إلى استحواذ صدام حسين على السلطة وسدة الحكم، الذي هو الآخر أطيح به - أيضاً - من قبل قوات التحالف الدولي، الذي قادته أمريكا ضد نظامه، بسبب غزوه الكويت، وعلى إثر ذلك قبض عليه، وأعدم في يوم (عيد الأضحى) من قبل المعارضة العراقية، التي تولت الحكم بعد الإطاحة به، وكذلك موجة الانقلابات المتوالية في سوريا، وفي ليبيا والسودان والجزائر، وفي تونس، وغيرها من بلاد العرب، واليمن بضمنها.

 

وجميعنا في الجنوب يتذكر (الانقلاب الصامت) على الرئيس قحطان الشعبي، وعلى الرئيس (سالمين)، وكيف تم إعدامه في محاكمة صورية غير معلنة، وكان ذلك (انقلاباً دموياً) مرعباً بكل المقاييس، وفي الشمال.. الانقلاب على الرئيس السلال، وعلى الرئيس عبدالرحمن الإرياني، وعلى الرئيس الحمدي، وتصفيته جسدياً هو وأخوه عبدالله الحمدي، قائد لواء العمالقة آنذاك في عملية بشعة وقذرة، تقشعر منها الأبدان، ومؤخراً اغتصاب السلطة من الرئيس هادي، الذي لجأ إلى مدينة عدن، ليمارس منها مهامه الرئاسية بعد أن اجتاح الحوثيون (العاصمة صنعاء)، والسيطرة على المؤسسة الرئاسية، ومؤسسات الدولة، ومعظم مكونات المنظومة العسكرية والأمنية.

 

هذا هو حال البلاد العربية ضد زعمائها ورؤوسائها وقادتها، لأن هناك (فقر ديمقراطي) يعاني منه العرب، وتعاني منه الأحزاب العربية بكاملها في ظل الأنظمة الشمولية، التي عفى عليها الزمن، ولم يستوعبوا على مدى عقود طويلة بأن (الصندوق) هو الحل في التداول السلمي للسلطة، وهو أيضاً وسيلة مدنية للتنافس الشريف والنظيف، لمن يريد الوصول إلى (كرسي الحكم)، مثلما هو قائم في بلاد الغرب، هناك من يريد أن تبقى البلاد العربية أسيرة التخلف والنعرات الاجتماعية والسياسية والمذهبية، وفي اقتتال وحروب داخلية مستمرة، وتغذية النزعات الطائفية، واستثمار (ورقة الدين) لهذا الغرض، ولكن هذه المرة بأسلوب جديد ورخيص يسيء إلى الإسلام، والمسلمين جمعاء.

 

لقد عانت اليمن كثيراً من البؤس السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن عدم الاستقرار، فلم ينعم الشعب بالراحة والطمأنينة، ولا بشيء من الإيجابيات والمنجزات الحياتية والمجتمعية، التي كان يعوّل أن تأتي بها ثورتا (سبتمبر وأكتوبر)، فما يزال هذا الشعب يعاني حياة الفقر والعوز والحاجة، ومن التخلف المفجع، ومايزال هناك من يأكل من (الزبالات) و(براميل القمامات)، ويعيش حياة التسول، وبيع الشرف، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه هي منجزات الثورة اليمنية، ووحدة (22 مايو 1990م) البائسة، التي أفضت إلى استلاب الجنوب استلاباً شاملاً كاملاً بثرواته وأرضه ومؤسساته وتسريح كوادره.

 

لقد عانى الجنوب كثيراً من الصراعات السياسية المفجعة والمؤلمة، وماتزال آثار بعضها إلى الآن، وكذلك الشمال أيضاً، إلِّا أنه من المؤسف أن تتكرر مثل هذه الحالات في مثل هذه الظروف المشحونة، فهناك من الأطراف الخارجية من تريد أن تتجه الأوضاع المحتقنة في البلاد إلى الانفجار والاحتراب بين مجموع أطراف العملية السياسية، وهذا إن حدث - لا سمح الله - فإن مجرى الاحتراب سيستمر إلى سنوات طويلة، ولن يتوقف أبداً إلاّ بمعجزة إلهية، وهذا في علم الغيب، لكننا نسأل الله أن تمر الأمور بسلام.. آمين.

* الأيام