لم تواجه الجنوب على مدى تاريخه الوطني والسياسي الطويل، أكان في عهد الاستعمار البريطاني أو خلال مسيرة ثورة 14 أكتوبر 1963م بمختلف محطاتها وإفرازاتها وصراعات أقطابها، أو في مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني للجنوب (30 نوفمبر 1967م)، أو أثناء ما يسمى بالوحدة بين (الجنوب والشمال) في 22 مايو 1990م، وما تلاها من عواصف ورياح عاتية، قبل وبعد حرب 1994م الظالمة على الجنوب، مثلما ما يواجهه الآن من المحن والمشاق والشدائد والمؤامرات الخطيرة والتدليسات السياسية، المشكوك فيها، التي تريد الاستحواذ على الجنوب بكل مناطقه وترابه، والالتفاف على قضية شعب الجنوب بكل الوسائل والأساليب المشروعة وغير المشروعة.
فالجنوب الآن يعيش لحظات حاسمة ومصيرية، وأمام الجنوبيين امتحان عسير وشاق، وفي المقابل أيضاً أمامهم فرص كثيرة، ربما لا تتكرر على المدى القريب، من المهم أن يستغلوها لفعل شيء يخدم قضيتهم ومصيرهم، في ضوء ما يجري في (الشمال)، خاصة وإنه قد برزت في أوساط الجنوبيين، مخاوف كثيرة من حدوث تمدد مفاجئ للحوثيين إلى مناطق الجنوب، وفي هذا عند الجنوبيين حق حين يتولد لديهم مثل هذا الشعور، إلى جانب مخاوفهم من اتساع (القاعدة المصنوعة) في الجنوب، والأهداف بالطبع معروفة وليست بغائبة على أحد.
لكني لا أظن أن الحوثيين يريدون الآن التمدد إلى الجنوب بنفس طريقة تمددهم في المحافظات الشمالية وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، لأنهم يدركون جيداً أنه فيما إذا حاولوا أو حتى فكروا في الوصول إلى مناطق الجنوب فإنهم سيوقعون أنفسهم في مأزق سياسي فادح ومعقد، لا يمكنهم الخروج منه بسهولة، وربما سيدفعون تكاليف باهظة نظير هذا التصرف المتهور، لأن عليهم أن يعلموا أنه مثلما هم دافعوا ويدافعون عن هويتهم وأرضهم وصمدوا خلال (حروب ست) اعتركوا فيها مع الدولة أو مع الخصوم الآخرين، فإن موقف الجنوبيين سيكون على نفس حال موقف الحوثيين، ولن يسمحوا لأحدٍ أن يتمدد إلى مناطقهم.
مع التذكير أن الظروف التي جرت فيها حرب 1994م وتم خلالها غزو الشمال للجنوب واستباحة أرضه ونهب ثروته وتسريح كوادره - من مدنيين وعسكريين - تختلف عن الظروف الراهنة، ونحن الآن في (الألفية الثالثة) من القرن الحادي والعشرين، لكن الحوثيين بالتأكيد يسعون إلى توسيع دائرة (أتباعهم وأنصارهم) في مناطق الجنوب، وهم يعملون بحماس منقطع النظير لتحقيق ذلك وفق حسابات مذهبية وسياسية بعيدة المدى.. ولا غرابة أن (جماعة أنصار الله) يبدون تعاطفهم في كل خطاباتهم وبياناتهم مع القضية الجنوبية ومع الجنوبيين، وهذه النغمة بدأت لافتة منذ 21 سبتمبر 2014م، وهذا ليس حبا في الجنوبيين ولكن لخدمة الأهداف الحوثية البعيدة التي يخططون ويسعون إلى تحقيقها والظفر بها في الجنوب.
وعلى الجنوبيين أيضاً أن يتنبهوا كثيرًا للمحاولات التي تجري الآن لنقل الصراع بين الأطراف المتنافسة في صنعاء، إلى الساحة الجنوبية، فالأمر واضح وهو الالتفاف على قضية شعب الجنوب وإبقاء الجنوب في (دائرة الوحدة) المنهارة إلى ما لا نهاية، وهي المحاولات التي نبَّه إليها كل من الرئيس علي سالم البيض والمناضل محمد علي أحمد رئيس مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي - بحسب ما نشر عنهما - في صحيفة «الأيام»، في عدد يوم الأحد 15 فبراير 2015م.
الجنوب الآن أمام امتحان عسير وصعب، وأمام مآزق وتحديات لا حصر لها، وهي بالفعل خطيرة وشائكة، فأما الصمود لبقاء الهوية الوطنية الجنوبية ومواصلة النضال السلمي لشعب الجنوب من أجل انتصار عدالة القضية الجنوبية، وأما الاستسلام للمخطط الذي يهدف إلى الالتفاف على قضية شعب الجنوب، وعلى الجنوبيين أن يدركوا أن طريق النضال شاق وطويل ويتطلب تضحيات وعقول مفتوحة، وفي مستوى المسؤولية، وفاعلة ومؤثرة تستطيع أن تصل بقضية شعب الجنوب إلى أهدافها في الحرية والاستقلال واستعادة الدولة، ولكن قبل هذا وذاك على الجنوبيين أن يتوحدوا قبل فوات الآوان، وعندها لن ينفع الندم.
* الأيام