تقاربت ـ إلى حدٍّ كبير ـ رؤى القادة الجنوبيين في الخارج، وممن هم في الداخل أيضاً، بشأن عدالة القضية الجنوبية، ومظلومية شعب الجنوب، وما لحق به من ضرر فادح ومؤلم، من جراء (الوحدة العشوائية)، ومن آثار حرب 1994م الظالمة على الجنوب، حيث أجمعوا في كلماتهم، التي وجهوهها إلى شعب الجنوب، بمناسبة ذكرى (التصالح والتسامح)، التي صادفت يوم 13 يناير الجاري، ونشرتها “الأيام”، على مواصلة النضال السلمي لشعب الجنوب ومكوناته السياسية والمدنية والاجتماعية، حتى تحقيق أهدافه وتطلعاته المشروعة، كما أجمعوا على أهمية وحدة مكونات الأداة السياسية، ووحدة القيادة أيضاً، كحامل للقضية الجنوبية، ولكن لا أدري كيف سيتوحدون؟ ومتى سيتوحدون؟.
العجيب في الأمر أن إخوتنا قي القيادات الجنوبية ـ جميعهم دون استثناء - يؤكدون على وحدة المكونات والقيادات، وهذا الطموح، للأسف، ليس وليد اليوم، ولكننا نسمعه منذ ولادة الحراك الجنوبي السلمي في 2006م، وما مر به من منعطفات، ومخاضات، ومراحل صعبة، وما أفرزه من مسميات وتعدد المكونات، إنه مجرد أمنيات بحاجة إلى إرادة وإلى إخلاص في النوايا، وهذا واقع مؤسف للغاية، ما زالت تعيشه مكونات الحراك والقيادات الجنوبية على حدٍ سواء، فلم يتقدم الجنوبيون والثورة الجنوبية السلمية - وهذه حقيقة مرة - على مدى (8 سنوات) وتزيد، خطوه إلى الأمام ذات فاعلية سياسية للدفع بالقضية الجنوبية إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وفي المحيط الإقليمي والعربي والإسلامي.
وبدون وصول قضية شعب الجنوب إلى أروقة هيئة الأمم المتحدة، على الجنوبيين أن يدركوا أنهم يناضلون ويكافحون في سراب، ويحرثون في بحر من تراب وصخور وشوك، لأن المجتمع الدولي كافة، يريد أن يتعامل مع (هيئات موحدة)، ومع (قيادات مجتمعة)، في إطار مؤسسي، يعمل وينشط وفق رؤية سياسية واضحة، ويستطيع أن يوصل صوت شعب الجنوب إلى أقصى الأصقاع، وهذا لا يتم ولا يتحقق بالتمنيات ولا بالبيانات، ولا بدعوة الوالدين، ولا بـ(الشعوذة السياسية)، ولكن بالأفعال قبل الأقوال، وبالإرادات ومغادرة عقلية الماضي الشمولي وعدم الثقة بالآخرين وتخوينهم والطعن في وطنيتهم، فكفى القيادات الجنوبية تشرذما وتشظيا وتباعدا وافتراقا وانحسارا وتغَّربا سياسيا، فشعب الجنوب يدفع كل يوم (فاتورة) العذابات والمآسي الناتجة عن (الوحدة العشوائية)، من دمه وعرقه وقوته وحقه في العيش والحياة والكرامة والحرية، ويتألم كثيراً حينما يرى وطنه السليب (الجنوب)، وقد حوَّله (المتنفذون الشماليون) إلى ساحة للنهب والسلب والفساد، وممراً آمناً للتهريب لكل ما خَّف وزنه وغلا ثمنه، وما خفَّي كان أعظم.
إن الجنوبيين يخجلون أمام شعوب العالم، حينما يرون قياداتهم وهي ما تزال تعيش حالة من الشتات والتمَّزق، إذ مزقتهم السياسة شر ممزق، ليس من الزمن القريب، ولكن هذه المصيبة وهذه المأساة التعيسة قد حلَّت بالجنوب وقياداته منذ الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، وما يزال الجنوبيون على هذا الافتراق السياسي المآساوي اللعين، ولم تستطع القيادات بالذات مغادرته حتى الآن.
لقد فرح شعب الجنوب أيما فرح بـ(التصالح والتسامح) وبالتآلف والوئام والإنسجام بين كل أبناء مناطق الجنوب، ولكن ما يزال وسيظل هذا الشعب حزيناً ومتألماً، إذا لم تتوحد القيادات، وإذا لم تثمر الجهود والمساعي، التي نسمع بها، وتجري الآن في الخارج، لتحقيق هذه الغايات التي يتطلع إليها شعب الجنوب، فأفيقوا ياقيادات الجنوب، قبل أن تلتهم الجنوب أطراف أخرى، أصبحت قريبة جداً من المشهد السياسي الجنوبي، وقاب قوسين أو أدنى من الميدان والساحات، والحليم تكفيه الإشارة.
* الأيام