13 يناير .. من الخناق إلى العناق

2015-01-14 16:42

 

لم يقبل الجنوبيون أن تستمر حالة القطيعة والعداوات القاتلة والبائسة التي أحدثتها (كارثة 13 يناير) 1986م المؤلمة قائمة بينهم إلى ما لا نهاية، فقد عقدوا عزمهم بعد أن تملكتهم القناعة التامة والإصرار الخالص على طي هذه الصفحة المظلمة في تاريخ الجنوب الجريح، ومحوها من نفوسهم وقلوبهم وعقولهم إلى الأبد، والتوجه نحو (العناق) بدلاً من (الخناق) ونحو (الوئام) بدلا من (الخصام) وإلى (التصالح والتسامح) بدلا من القطيعة والخصومة السياسية اللعينة، ومن حالة العداء المستديم بين الأخوة ورفاق السلاح والنضال، وشهدت جمعية أبناء ردفان الاجتماعية في عدن يوم 13 يناير 2006م إعلان (التصالح والتسامح) الذي يشمل كل أبناء ومناطق الجنوب، وهي خطوة إيجابية وتاريخية مهمة، جاءت في وقتها وباركها الجميع، فلم يعد هناك بعد ذلك التاريخ شيء اسمه (طغمة) ولا (زمرة)، وسادت حينها مناطق أبين وشبوة والضالع وردفان ويافع وعدن، التي تضررت وعانت أكثر من غيرها من مناطق الجنوب من هذه الأحداث وآثارها اللاحقة، ابتهاجات منقطعة النظير فرحًا بـ(معجزة التصالح والتسامح) وهي بالفعل (معجزة عظيمة)، لم يكن لها أن تتحقق لولا إرادة الله ثم المبادرة الصادقة والنوايا الحسنة والدور الكبير والجهد المثابر الذي لعبه الرئيس علي ناصر محمد ومعه كل القيادات والمكونات المدنية والاجتماعية والسياسية والمناضلين الشرفاء من أبناء الجنوب الذين تفاعلوا بإيجابية مع هذه الخطوة المهمة.

 

لقد جاء (التصالح والتسامح) بين الجنوبيين في وقته المناسب، إذ كان الجنوب - ومايزال - يعاني من (بؤس وظلم الوحدة) ومن آثار حرب 1994م الظالمة التي استباحت الجنوب بكامله، من قبل (الشمال) وحولته إلى (غنيمة) ابتداء من نهب الأرض والثروة وتدمير المؤسسات وتفكيك المنظومة العسكرية والأمنية الجنوبية والاستحواذ عليها والاستيلاء على أرشيفها السري الضخم الذي أسس وبني على مدى ربع قرن من الزمان، هي عمر الدولة في الجنوب، وانتهاءً بطرد وتسريح الكوادر - مدنيين وعسكريين - قسرًا من أعمالهم ورميهم في الشوارع وإبقائهم في البيوت، وسلب ومصادرة حقوقهم المشروعة، فلم يكن أمام الجنوبيين لمواجهة هذا الواقع المرير والمؤلم والحزين إلا أن يتصالحوا ويتسامحوا ويسموا فوق الجراح، وهذا ما تم بالفعل على أرض الواقع في وقت لم يكن (تجار السياسة والعبث والشر والحروب) من القيادة المتنفذة في (الشمال) وعلى رأسها الرئيس السابق صالح يتوقعون أن (الطغمة) مع (الزمرة) سيتصالحون ويتسامحون في يوم من الأيام.

 

لقد كان (التصالح والتسامح) بين الجنوبيين (معجزة) بالفعل، بل (ملحمة) وطنية وأخلاقية، لاتقل عن ملحمة (ثورة 14 أكتوبر) من حيث الأهمية والأبعاد السياسية والاجتماعية والنفسية، ستظل خالدة في نفوس وقلوب وعقول كل أبناء الجنوب على مدى كل الأجيال المتعاقبة في عدن وأبين وشبوة وحضرموت ولحج والضالع والمهرة ويافع ومودية ولودر والوضيع وغيرها.

 

الآن وقد مرت (8 سنوات) منذ إعلان (التصالح والتسامح) بين الإخوة الجنوبيين حري بكل القيادات الجنوبية ومكونات الحراك الجنوبي السلمي من كل التوجهات والتنظيمات والمذاهب السياسية والفكرية في الداخل والخارج - على حدٍ سواء ـ أن يتقاربوا ويلتقوا ويتفقوا ويودعوا حالة التشرذم والتشظي السائدة بينهم، وليس بالضرورة أن تذوب أو تنصهر الكيانات والمكونات والقيادات في مكون واحد، ولكن هناك ضرورة غدت ملحة ولا تقبل التأجيل - بحسب الظروف الراهنة - لقيام إطار ولو تنسيقي، جنوبي موحد، يتولى الإبحار بالقضية الجنوبية إلى مرافئ تحقيق الحلم الذي يتوق إليه كل أبناء الجنوب في استعادة دولتهم وأرضهم وثروتهم المنهوبة، كما ينبغي على المكونات العاملة في الساحات والميادين في مختلف مناطق الجنوب أن تبحث لها عن وسائل أكثر تنظيما وفاعلية، وبالذات فيما يتعلق بالنشاط السياسي والإعلامي المؤثر، وهذه مسألة مهمة لتحريك القضية الجنوبية بصورة لائقة في المحيطين الإقليمي والدولي، والدفع بها إلى الأمام، فلم يعد أمامهم بعد الآن وقت إضافي ولا استراحة سياسية شتوية مغرية.. مع تمنياتنا للجنوبيين بالنصر.