إذا صح الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعربية عن عودة الرئيس علي ناصر محمد، فهذه بشرى سارة للجنوبيين، وبداية طيبة لحلحلة القضية الجنوبية، وزحزحتها نحو الحل المقبول، خاصة إذا ما عرفنا أن للرئيس علي ناصر جهودا مخلصة، ورؤية واقعية ومقبولة بهذا الشأن.
أما إذا كان هذا الخبر مجرد تسريبات وتكهنات إعلامية - كسابقاتها - فإن الأمر بحاجة إلى قراءة سياسية متأنية (مثلثة الأضلاع)، بحسب اصطلاح الرياضيات الحسابية، لأن قرار عودته ومشاركته في حل الأزمة اليمنية، ليس بالأمر اليسير، وبحاجة إلى ضمانات واضحة ليست داخلية فحسب، ولكن خارجية أيضاً نتيجة لوضع الرجل الحساس في المعارضة الجنوبية، في الخارج ولوجود تقاطعات سياسية عديدة، بسبب إفرازات مسار التجربة السياسية في الجنوب، بمختلف مراحلها، خلال فترة حكم الجبهة القومية، ولاحقاً الحزب الاشتراكي اليمني، إضافة إلى تعقيدات وخطورة وحساسية الأوضاع في اليمن بشكل عام، التي لا يستأمن عليها أحد.
الرئيس علي ناصر شخصية وطنية جنوبية مناضلة، وهي جذابة ولها بريق مميز في السياسة، ولا غبار على دوره النضالي الوطني الكبير، بداية من حركة القوميين العرب، حينما كان (مدرساً)، وفي صفوف الجبهة القومية، وأثناء مرحلة الكفاح المسلح، ضد الاستعمار في الجنوب، في سنوات الستينات، وفي مرحلة البناء الوطني الديمقراطي، التي تلت مرحلة الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، إذ تحمل الرجل مسؤولية قيادية كبيرة، في تلك المرحلة الهامة والحساسة والدقيقة، وصلت إلى رئاسته للبلاد، وللحكومة، وللحزب، وهو من قيادات الصف الأول، التي عملت على التقارب ونبذ القطيعة ووقف الاحتراب والتمهيد للوحدة بين (الجنوب والشمال) وله دور كبير في هذا الشأن، لايستطيع أحد أن ينكره، إلا أن القيادة في الشمال غدرت باتفاقيات الوحدة، وحولت الجنوب إلى (غنيمة)، استحلتها لنفسها، والتهمت (الأخضر واليابس) وكل ما لذ وطاب، من الأرض والثروة، وما خفي كان أعظم.
من المفارقات السياسية، أنه لم يكن هناك أي مكون سياسي جنوبي يقف خلف الرئيس علي ناصر محمد، أو يقوده علانية غير أنه - كما هو معروف - من القيادات الأساسية والبارزة، إلى جانب الرئيس العطاس، في ما يُعرف بـ(مؤتمر القاهرة). وظل الرئيس علي ناصر كل هذه السنوات، منذ نزوحه القسري من الجنوب، إثر أحداث 13 يناير المؤلمة، التي جبرت فيما بعد بـ(التصالح والتسامح) بين الجنوبيين جميعا، يتعامل مع الأحداث والتطورات في الداخل بعقلانية واتزان، وهو منحاز بكل وضوح إلى القضية الجنوبية، وإلى نضال الجنوبيين السلمي، ولم يفرط الرجل في هذه القضية مطلقاً، بحسب كل أحاديثه وتصريحاته الصحفية، المنشورة في وسائل الإعلام المحلية والخارجية، التي يدلي بها بين الحين والآخر.
الجنوبيون يتطلعون بشوق كبير لعودة الرئيس علي ناصر، ونأمل أن تكون عودته فاتحة خير في مسار القضية الجنوبية، ولكن ينبغي أن نسمع صحة خبر عودته من عدمه على لسانه، وأهلاً وسهلاً بالأخ المناضل علي ناصر في وطنه، والله من وراء القصد.