هذي البلاد، والله إنها “بلاد فالصو”، لا تعرف راسها من رجولها، ولا يعرف أهلها كوعهم من بوعهم، زايد على “خمسين سنة” ونحنا في لعب عويله، وفوضى ومقتالة ومعراصة وشغل مرزالة، وفي شلَّة وفي حطَّة، جالسين نضحك على نفوسنا إنَّا معانا دولة، والدنيا عندنا كلها “طيش فيش”، لا هجعنا ولا خليَّنا غيرنا يهجع، نتكلم ونهرج كثير باسم الشعب وعلى مدار الساعة، ونحنا ولا قدمّنا لهذا الشعب حاجة تنفعه وتخليه يفتهن قليل كما عباد الله، بل حرصنا على تجويعه وإفقاره حتى العظم، وقتله بالكيماويات والمواد السامة، والأدوية المهربة، والحبوب المخدرة، والحشيش والأفيون، ورمينا به في الحضيض، وبين مخالب الفساد والفاسدين والبلاطجة، وأصبح عنواننا في هذي البلاد: بطالة، تهريب، انعدام الصحة، غياب النظافة، تعليم هابط نازل لا تحت، تعليم (المعلامة) أحسن منّه بألف مرة، وعادنا نتصايح على الحكومة، والله إننا بلا حياء..
وضع البلاد منهار إلى الصفر والجيش مفكك تفكيك، والأمن يامُسّلم ياسلام، إلا من رحم ربي، ولم يبق من هاتين المؤسستين العملاقتين إلاَّ الطربوش والجزمات، والطيري والنجمة، وتعظيم سلام وبس.. وأصبح العسكري ورجل الأمن يخاف من المواطن بدل المواطن ما يخافه ويحضر فوق الواجب بـ(شميز وفوطة) والبدلة العسكرية مخباية داخل كيس علاقي، لأنه مستهدف (رقم واحد)، في ظل أوضاع شمات ومعكوكة عكة، وكله باسمش (ياقاعدة).. والاقتصاد بلا صحة ولا عافية، والبلاد كلها بكلها في (جحر الحمار)، صراعات، تحزبَّات، قبايل، بنادق، جنابي، كل يوم قوارح، والتفجيرات والعمليات الانتحارية تزيد، قتل في وضح النهار، والفاعل مجهول، والخبر عند جدتي، والنهاية الله يعلم إلى وين نسير، يا كوت يا رمباص.
هذي البلاد بلاد “بوكو حلال”، كل شي فيها جايز ومتوقع، تبا تبيع سياسة أهلاً وسهلاً، الباب مفتوح والأمور مسهَّلة، تبا تبتاع وتشتري في الفساد كل شي بحسابه، الحرام - والعياذ بالله - نقلبه “حلال”، على ما تقولوا، هكذا يمكن نسميها بلاد “بوكو حلال”.. حتى الحكومة الجديدة بتكون “حكومة بوكو حلال”، وحتى لا يلتبس عليكم الأمر هذي “بوكو حلال” على نقيض “بوكو حرام” اللي تقاتل في نيجيريا، لا.. نحنا “بوكو حلال”، حقتنا “مسالمة”، وبلادنا كلها بكلها من شرقها لا غربها، ومن شمالها لا جنوبها “بوكو حلال”، من النفط إلى التراب، إلى ماي البحر.. وبالمناسبة بحرنا حالي كما السكر، والجبال والحجار حتى الشجر طعمها حالي، والمضحك والمبكي واللي يجيب الصمرقع، ويفقع القلب أننا مكاننا نتعاصد على الحكومة، وكأن البلاد كل شي فيها يسير بالتيم، وما شي تنقصها إلاَّ الحكومة، والمسألة كلها (لعب عويله).. حالي وا عنب رازقي.
زايد على (خمسين سنة) يا جماعة الخير ونحنا مدوخين، ولا طلعت في بيرنا قطرة ماي، صلحَّنا ثورة ودهفنا الإمام وخرَّجنا الاستعمار، وبعد كل هذي السنين نبكي اليوم على الإمام وعلى الاستعمار.. طيب خلاص، راح ما راح، لكن بالله عليكم، شو ذنب عيالنا وجهالنا وحريمنا ونسوانا وأعز ما عندنا، يتحملوا كل هذي المتاعب من بعدنا؟.. دمرنا المؤسسات، طفشنا بالكوادر، لعبنا بالثروات ولهفناها عيني عينك، نهبنا (الحلال والحرام) بلا تفريق، كله عندنا (بوكو حلال).. وقلنا نبا نبني دولة مدنية حديثة، دولة النظام والقانون والعدل والمساواة، مش هذا وبس، بل دولة (ديمقراطية).. والله اللي جاب هذا المصطلح (الديمقراطي).. ربنا (يدمقرط) رجوله ويداته وراسه وعيونه ولسانه، لأنه طلع أهبل وسخيف، وماشي يدخل فيه العيش والملح، لأنه نسي أن هذي البلاد الديمقراطية حقتها (سمبرة جرم) مع (السحاوق) على ما تقولوا (شتني).. والديمقراطية الغربية ماشي تمشي فيها، وسوقها بوار، وأهل هذي البلاد قد زادوا وضحكوا زمان على (العثمانيين) في عهد احتلالهم الأول لليمن، وقالوا لهم: (البقرة عندنا تبيض)، والجماعة مساكين صدَّقوا.. وقاموا واشتروا البقر حقوت البلاد كلها، وفي الأخير طلع بيض البقر (روث) في لحج نقل له: (كُر بقر)، والله المستعان.
نحنا الآن في لعبة جديدة، كما لعبة الورق (غلام يصفَّي الميدان)، واللاعبين قدامى وجدد، ولا ندري لا وين تسير بنا (الباخرة) في هذي البلاد (الفالصو)، مش قلت لكم إنها بلاد (بوكو حلال)، كل شي فيها جايز، والحليم تكفيه الإشارة!.
* الأيام