إسرائيل الكبرى أم تركيا الكبرى؟

2025-09-30 18:58

 

لماذا قتل الإسرائيليون السيد حسن نصر الله بتلك الكمية الهائلة من المتفجرات التي تكفي، على الأقل، لتدمير جزيرة منهاتن، قلب المال والثقافة في أميركا؟ وبالسنوات الطويلة من الإعداد متعدد الجوانب، ما جعل مئير داغان، الرئيس السابق للموساد، يصف العملية بأنها الأكثر تكلفة وتعقيدًا في التاريخ.

 

السيد الذي قاد المقاومة في جنوب لبنان، وتمكن من اجتثاث أي أثر للاحتلال، كان اغتياله يعني إزالة أي يد ترفع في وجه المغول الجدد. دون أن نتصور نوعية الكلام المهين بحقه، ودون أي ذكر لإسرائيل بنظرتها الجنونية والتوراتية للبنان والمنطقة. حتى أن هناك من مسؤولي الدولة من ذهب إلى أبعد من ذلك بتضخيم صورة التظاهرة المحدودة لكشافة المهدي، وإضاءة صخرة الروشة بصورة السيد حسن نصر الله لدقائق فقط، ما أحدث ردة فعل بزيادة عدد المتظاهرين، ولكن دون حصول أي حادث أمني على الإطلاق. وهل كان الأميركيون ضد التظاهرة السلمية، أو يتجاهلون الامتداد الشعبي لـ"حزب الله"، لتكون لديهم ردة فعل على ذلك؟

 

ندرك مدى الحساسية التي تحكم العلاقات بين السنة والشيعة، ولكن حتى بالنسبة لفلسطين وإسرائيل؟ ولكن هل صخرة الروشة أرض سنية، أو أرض شيعية، أو أرض مارونية، للوقوف في وجه تظاهرة رمزية في مناسبة حزينة، ليكون ذلك الضجيج للحصول على هزة رأس من هذا البلاط أو ذاك؟

 

رئيس الجمهورية جوزيف عون تحدث بأسى عن المناسبة، وقيادة الجيش لم تجد أي مبرر للتدخل الذي، أمام تلك اللحظات العاطفية، يمكن أن يؤدي إلى صدام دموي لا يعرف أحد إلى أين يودي بالبلاد. ومع ذلك كان معلوماً أن هناك جهات خارجية وداخلية تنظر إلى تلك الساعة لتفكيك لبنان أو إزالة لبنان. وحين يعلن بنيامين نتنياهو أمام الملأ العمل لإقامة إسرائيل الكبرى، وحتى إسرائيل العظمى، التي قد تمتد إلى ما هو أبعد من لبنان وسوريا والأردن، واقتطاع أجزاء من العراق ومصر وحتى تركيا.

 

لا تتصوروا أن مصالح القوى الداخلية والخارجية المعادية لـ"حزب الله" على تناغم أوركسترالي فيما بينها. هناك من يراهن على إنشاء كانتونات طائفية، كامتداد للنموذج السوري الذي في رأس أركان الائتلاف، وهناك من يرى إلحاق لبنان بـ"بلاد الشام" الأمر الوارد أميركياً وبقوة، ودائماً تحت سلطة الخليفة في قصر يلدز. وبعدما لاحظنا حالة التقارب بين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان في نيويورك، لنقول لمن يعنيهم الأمر، لا سيما إخواننا في الخليج: تنبهوا إلى مصيركم في ضوء رقصة التانغو بين الرئيس الأميركي والرئيس التركي، وحيث كان الاتفاق على كيفية احتواء الشرق الأوسط، بعدما ضاع بنيامين نتنياهو بين وحول ونيران غزة.

 

بطبيعة الحال، لم يكن بالحدث العادي إبلاغ ترامب لبعض القادة العرب برفضه إلحاق الضفة بالدولة العبرية، بعدما كان قد أعلن تعهده بفعل ذلك. ما يطرح أسئلة كثيرة حول موقع كل من نتنياهو وأردوغان في أجندة البيت الأبيض، وإفساح المجال أمام ترامب للعب تكتيكياً بين الرجلين، خصوصاً بعد وضع أردوغان رئيس الدولة في سوريا، بل والدولة في سوريا، بين يدي الرئيس الأميركي. في هذه الحال، هل تحل "تركيا الكبرى" محل "إسرائيل الكبرى"، ما دمنا ندرك أي نوع من البراغماتية أو الزبائنية تتحكم بأميركا؟ ما يحمل "إليوت أبرامز" على دق ناقوس الخطر من سقوط أميركا في الشرق الأوسط، وربما في العالم.

 

لم يعد خافياً على أحد أن قادة عرب سألوا ترامب خلال لقاء نيويورك ما إذا كان لمصلحة بلاده تفجير وخسارة مصر، وتفجير وخسارة الأردن، بل وتفجير وخسارة الشرق الأوسط. إذ من من يضمن ألا يؤدي ترحيل فلسطينيي غزة والضفة، حين لا تكون هناك دولة عربية تستطيع أن تتحمل تبعات النكبة الثانية التي لا بد أن تكون أكثر هولاً إذا ما أخذنا بالاعتبار أن ذلك يندرج في إطار مشروع "إسرائيل الكبرى".

 

حيال تلك الاحتمالات المروعة، ومع اقتناعنا باستحالة انفكاك العلاقات الأيديولوجية والاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، ما حال كبار بعض المسؤولين عندنا حين يتوقف خيالهم (السياسي) الخلاق عند اصطناع أزمة لدى إحياء ذكرى كارثية مرت بها البلاد، أو جزء من البلاد، ما دامت أوصالنا مقطعة على ذلك النحو، فقط من أجل الحصول على عطف الأوصياء الذين لا بد أنهم سخروا من ضحالة ذلك الخيال.

 

أما وقد لاحظنا حرارة لقاء الرئيس دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع، ودون حصول لقاء مماثل مع الرئيس اللبناني ميشال عون، وهذا له دلالاته بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، وهي المرحلة التي قد تقرع فيها الطبول (أي طبول؟) عندما نكون الحجارة – الحجارة البائسة – على رقعة الشطرنج. وإثبات بعض القوى أن عملية عسكرية إسرائيلية ضد لبنان يفرش أمامها الطريق لا إلى قصر بعبدا – وقد يتحول إلى فندق بخمسة نجوم بين غابات الصنوبر – بل إلى الكانتون الطائفي الذي إما أن يتحول إلى لاس فيغاس أو إلى غيتو.

 

دائمًا هذه نقطة ضعفنا: نصف دولة، أو لا دولة، ودون بناء أي استراتيجية وطنية، لا دفاعية، وهي الخدعة الكبرى. مرة أخرى الرهان على الأوصياء، أو على الأولياء. أكثر من أي وقت مضى، نحن في حال البقاء واللا بقاء، حين نكون في ظل ساسة بعضهم يمتلك رؤية رجال دولة، وبعضهم لا يصلح "لإدارة جحر جرذ" كما قال الفرنسي ميشال دوبريه في نهاية الجمهورية الرابعة. في أي جمهورية نحن؟ اللاجمهورية...؟؟