هل يقوم العرب من قبورهم ؟!

2025-09-24 21:09

 

لا عتب على الدولة، ولا عتب على العرب، ولا عتب على العالم. أيضاً لا عتب على الشيطان الذي عبثاً نحاول إقناعه بالوقوف إلى جانبنا. هو اعترف أمامنا بأنه عاجز عن فعل أي شيء لوقف الجنون الأميركي. بالكثير من اليأس، أضاف بأنه فقد الوظيفة التي أُوكلت إليه منذ بدء الخليقة، ليهمس في آذاننا "انتبهوا ... إسرائيل ليست مستوطنة أميركية بل أميركا مستوطنة إسرائيلية". ذاك الالتباس الدراماتيكي!

 

يفترض أن نتوقف بتقهقرنا، وتشتتنا، عند هذا الحد. بعدما حوّل الإسرائيليون الجمهورية إلى مقبرة، دون أن ندري ماذا يفعل المبعوثون من أجلنا، حين نستقبل مورغان أورتاغوس، كمبعوثة لآلهة النار، مثلما استقبلنا كلوديا شيفر، ومثلما استقبلنا بريجيت باردو التي بدت في بهو فندق السان جورج وكأنها هبطت للتو من الجنة، ومثلما استقبلنا شاكيرا في مدينة الأهل زحلة بالكؤوس والورود. ما يذهلنا ذاك الاحتفاء بابن زحلة أيضاً توماس براك الذي لم نجد دبلوماسياً بتفاهته، أو بدورانه حول الأشياء.

 

الآن، ويا للغرابة، نسند رؤوسنا لأميركا، ونكاد نقيم لها الصلوات، ما دامت صلواتنا وأدعيتنا لا تترك أي أثر في السماء. من يتجرأ أن ينفي ذلك إلا أولئك الذين احترفوا تضليل الرؤوس أو تفريغها، في زمن يفترض استنفاراً لا حدود له، وتشغيلاً لا حدود له للأدمغة. الدوران، إلى يوم القيامة، داخل معادلة الحلال والحرام. إسرائيل لا شيء، بكل تلك الحمولة الأيديولوجية والتكنولوجية، لنردد، المرة تلو المرة، ما كتبه جدعون ليفي في "هاآرتس": "لولا الإمدادات الأميركية اليومية لكان علينا أن نقاتل الفلسطينيين بالعصي والحجارة"!

 

لكننا نعشق أميركا، ومن سراويل الجينز إلى الروك أند رول، وصولاً إلى الشبكة العنكبوتية التي غيّرت كل تفاصيل حياتنا، حتى لنتبنى قول أولغا توكارتشوك، البولندية الحائزة نوبل في الآداب، "لكأننا مخلوقات أميركية".

 

أميركا، أيها السادة، تريد إقامة "إسرائيل الكبرى"، لا بحسب الخارطة التي وردت في سفر التكوين، وإنما بالخارطة التي بقيت في البيت الأبيض، منذ أن كان بول ولفوويتز، وريتشارد بيرل، ودوغلاس فيث، يحيطون بالرئيس جورج دبليو بush، دول من صنع يهوذا، وبعدما طلب منا إعادة قراءة الإنجيل، وإعادة قراءة القرآن، لاسيما سورة المائدة، ليتبين لنا أن يهوه (أي الله بحسب التفسير الأميركي) أعطى شعبه المختار أرض فلسطين، باقتلاع الأغيار (الغوييم) من هذه الأرض.

 

الآن يفترض أن نقرأ القرارات التنفيذية التي يوقعها دونالد ترامب، بطريقة الليدي غاغا. أمام الأضواء، وهو الرئيس الذي أبلغنا براك أنه يحبنا، لذلك يريد منا القضاء على ثقافة المقاومة وتبني ثقافة الغانيات. لا حديث سوى عن شواطئ الريفييرا، وسوى أرصفة البيفرلي هيلز.

 

بنيامين نتنياهو لم يخرج فقط من التوراة، أو من اللحى العفنة للخامات فقط، وإنما خرج، كما تخرج الثيران الهائجة، من الحظيرة الأميركية ليجعل من بلدان المشرق العربي، والتي لا تعدو كونها غرفاً زجاجية، أو مستودعات للحطب البشري، وقوداً لـ"أميركا العظمى". أي أميركا العظمى حين تتعامل مع العالم بكل تلك الغطرسة، حتى أن الفيلسوف الأميركي آلفن غولدمان أبدى خشيته، قبل وفاته، العام الفائت، من أن تفضي الفوضوية، أو العشوائية، الراهنة، إلى غرق الإمبراطورية مثلما غرقت التيتانيك، لا في قاع البحر وإنما في قاع القرن.

 

تصوروا إلى أين يمكن أن تصل السياسات الفرويدية للرئيس الأميركي حين يدعو القيادة الأفغانية إلى إعادة قاعدة باغرام، ناسياً، أو متناسياً، الخروج الفضائحي لجيشه، وكذلك للقوات الأطلسية الأخرى، على ذلك النحو الفضائحي. من هذا البلد. أما السبب فهو قرب المسافة (نحو ساعة) بين القاعدة وإقليم تشينغيانغ، حيث مصانع الصواريخ والأسلحة النووية الصينية. ضحالة مروعة في الرؤية الاستراتيجية حين يشعل النيران في رأس التنين الذي، في اعتقاد الرئيس الأميركي، ما زال على مهنته القديمة، أي قيادة قوافل الحرير والأفاويه، وحتى الحلي، من الشرق الأقصى إلى الشرق الأدنى.

 

متى كانت دولتنا، وحيث غالبية لوردات الطوائف، ومنذ القرن التاسع عشر، يعملون للخارج، موجودة حين كان ياسر عرفات يعيث، بسياساته البهلوانية (تذكرون مهزلة الكاتيوشا)، خراباً في الجنوب كأي فاتح آخر، وخلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1978 وعام 1982، وحتى طوال فترة الاحتلال، وأين هي الدولة الآن، مع اعترافنا بأننا، في الحرب الأخيرة، نحن من فتح الباب، وإن كان نتنياهو سيطرقه بعد حين، أمام ذلك الوحش الآتي من الكهف الذي كان يهوه يرشق منه السابلة بالحجارة. وهل باستطاعة رئيس الدولة، بكل النوايا الطيبة، بناء دولة قابلة للبقاء، ما دام نتنياهو قد نقل إلى الضوء مشروع "إسرائيل الكبرى"؟

 

ضربة الدوحة كانت ضربة على رأس كل حاكم عربي، عله يستفيق من غيبوبة القصور، ليظهر أن الأميركيين يتعاملون مع أولئك الحكام على أنهم الموتى على عروشهم. لا دول بل محظيات، وحتى لا محميات، أميركية. في رأينا أن شيئاً ما بدأ يتغير. عندما تتحرك السعودية يتحرك الآخرون، فهل يقوم العرب من قبورهم أم استعذوا البقاء حيثما هم هناك؟؟