أفاعي الجمهورية

2025-11-16 08:37

 

كانت ميلينا ميركوري، وزيرة الثقافة في اليونان والنجمة الهوليوودية المناضلة ضد حكم الكولونيلات، تصف هذا النوع من البشر بـ"جرذان الجمهورية". الرئيس جوزف عون وصفهم ضمناً بـ"أفاعي الجمهورية"، وإن كانت صفة "عناكب الجمهورية" تليق بهم لحقارتهم. قال "مشكلتنا، كما ذكر لي بعض المسؤولين الأميركيين، أن بعض اللبنانيين الذين يقصدون الولايات المتحدة يبخون سماً على بعضهم البعض، وهم مصدر الأخبار السيئة".

 

جاء كلامه بعد زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت، بعدما بات معلوماً أن بعض زوار واشنطن من رؤساء أحزاب ونواب وسياسيين ينقلون كلاماً مفبركاً ومروعاً. من ذلك اتهام مسؤولين يشغلون مواقع حساسة بتسهيل وصول مساعدات مالية إلى "حزب الله"، مع أن هؤلاء يلعقون أحذية بعض المسؤولين العرب للحصول على المال حفاظاً على هالتهم السياسية والطائفية.

 

الرئيس لم يكن ليستخدم تعبير "بخ السموم" لو لم يكن الكلام الذي ينقل للأميركيين يصيب صدقية الدولة في الصميم، ما يمثل ذروة البشاعة الأخلاقية. وقد وصل الأمر إلى اتصال بعض هذه "الأفاعي" بأركان اللوبي اليهودي وعرض خدماتهم عليه بذريعة مواجهة "خطر حزب الله" على لبنان وإسرائيل، إلى حد نقل معلومات لا أساس لها حول نشاطات الحزب، ما يستند إليه الإسرائيليون في التصعيد ومحاولة تفجير الساحة الداخلية.

 

في دول أخرى يُعد هذا العمل "خيانة عظمى"، لأنه يتعلق بأمن الدولة وسيادتها باستثارة عداء دولة أخرى ضدها. وليس خافياً ارتباط بعض الشخصيات السياسية بأكثر الشخصيات الأميركية تعصباً لإسرائيل، إضافة إلى علاقات ناشطين أميركيين من أصل لبناني بالسفارة الإسرائيلية وتواصلهم مع جهات لبنانية.

 

آفة النميمة التي أشار إليها الرئيس ليست غريبة عن العقل الطائفي في لبنان منذ أيام فخر الدين في القرن السابع عشر، وبلغت ذروتها في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى يومنا حيث اتخذت النميمة شكل التبعية أو العمالة لمرجعيات إقليمية ودولية.

 

لبنان دولة ملتبسة بقدر ما هو وطن ملتبس. قال الروائي الأميركي دوغلاس كنيدي بعد زيارة للبنان "هناك لا تعرف ما إذا كنت في الجنة أم في النار"، واستذكر دين راون مبعوث هنري كيسنجر عام 1976 قوله "لم أكن أدري ما إذا كنت أتكلم مع الملائكة أم مع الشياطين".

 

ثقافة التفاهة استشرت، أما الآن فهي "ثقافة الحقارة" كرديف لـ"ثقافة الخيانة"، فيما وصف المطران الجليل لبنان بأنه "واقع ركام لا واقع جماعة". وسط هذه الارتجاجات الإقليمية، تبقى الطوائف دويلات داخل الدولة، وأساقفتها أنصاف آلهة يحكمون أنصاف البشر.

 

لا يمكن لـ"أفاعي الجمهورية" أن يصبحوا بناة الجمهورية. هؤلاء يفرشون الطريق بالورود أمام نتنياهو الذي يفرش الطريق بالجثث أمام دونالد ترامب ليدخل الشرق الأوسط كما دخل الإسكندر، وإن كان للإسكندر الأميركي قرن واحد فقط.