متى نخلع جلد القردة؟

2025-09-27 14:12

 

لم نكن نعتقد أننا بلغنا هذا المستوى من ثقافة التفاهة، ومن التعفن التاريخي (وفي التاريخ). تصوروا أننا في لبنان، كبلد للرحابنة وجبران خليل جبران وأمين معلوف، بل كبلد للتميز والإبداع، ما زلنا نتحدث عن "الحساسية السنية – الشيعية" واحتمال صدام دموي بينهما، من أجل صورة افتراضية لرجلين قتلتهما "الشقيقة" إسرائيل، باعتبارهما شخصيتين خطيرتين على أمنها بل على وجودها. أحدهما هو السيد حسن نصر الله، الذي أطلقت الدولة العبرية 75 طناً من المتفجرات لاغتياله، وقد تمكن عام 2000، بدماء رجاله (دون أن ننسى دم ابنه)، من دحرها واجتثاث أقدامها الهمجية من أرضنا.

 

حتى أن بعض نواب "التغيير" الذين من المفترض أن ينتقلوا بنا من حال إلى حال، غرقت رؤوسهم ووجوههم في الوحول التي تلطخ وجوه العديد من ساستنا. من قال إن لنا رؤوساً وإن لنا وجوهاً؟ هل لاحظتم أن اليهود، الوافدين من أصقاع الدنيا وأصقاع الأزمنة، مفككون إلى طوائف، لكنهم لا يذبحون بعضهم بعضاً كطوائف.

 

قبل الإصلاح المالي والتسول على أبواب الصناديق والقصور، وقبل الإصلاح الإداري وجمهوريتنا الباقية إلى الأبد "مغارة علي بابا"، وقبل الإصلاح السياسي الذي كان يفترض تطبيق المادة 95 من الدستور للخروج من الطائفية السياسية لا البقاء رهائن في قبور الآباء (وهي قبورنا)، نحن بحاجة إلى الإصلاح البنيوي والفلسفي في أدمغتنا وفي رؤيتنا. بينما الآخرون على وشك الانتقال إلى ما بعد التكنولوجيا وما بعد الزمن، لنبقى نحن في نظرتنا الدموية إلى بعضنا البعض. سؤالنا... متى نخلع جلد القردة؟!

 

هنا، أيها السادة السنة والشيعة، تحول الإسلام على أيديكم (لا على أيدي عرابي العصور الحديثة ولأغراض جيوسياسية أو "جيوقبلية") إلى دينين. ليتواصل ذلك الصراع، ولكن من أجل ماذا؟ أمن أجل الله الذي جعلنا منه إلهاً هيناً؟ أجل، إلهاً هيناً على الأقل. كفانا نفاقاً وكفانا خداعاً على منابر المساجد أو على أي منبر آخر، بعدما حولنا دين الله من دين كوني إلى دين قبلي. وكان آباؤنا في جنوب شبه الجزيرة العربية قد دعوا العبرانيين (الذي كان إلههم يرشق السابلة بالحجارة من كهفه) لتحويله من إله قبلي إلى إله كوني...

 

نحن الآن في لبنان تحديداً، وفي المنطقة العربية تحديداً، أمام اختبار تاريخي بين البقاء واللا بقاء. لسنا فقط في مواجهة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، بل في مواجهة "إسرائيل العظمى" التي تمتد من أول بيت على شاطئ المتوسط إلى آخر بيت على شاطئ البحر الأحمر. أمة أسدلت الستار على الجانب المشع من تاريخها لتدخل في جانبه المظلم. أمة القاع...

 

أين هو النظام العربي الذي لا يجثو أمام الإله الأميركي جثو القهرمانة؟ وأين هو النظام العربي الذي ينظر إلى الرعايا على أنهم مخلوقات بشرية، لا مخلوقات تدب على الأرض؟ وقد قال لنا باراك أوباما في عقر دارنا إن المشكلة فينا. أجل أجل، العناكب تستوطن عظامنا منذ ألف عام.

 

أ نحتاج بعد إلى تلك اللغة البلهاء لنسأل: هل فرقت إسرائيل يوماً بين سني في فلسطين أو مصر أو سوريا أو حتى تونس، وبين شيعي في لبنان أو إيران؟ لا نتصور أنه كان باستطاعة الولايات المتحدة أن تفعل بنا ما تفعله، باستنزاف أجيالنا وثرواتنا (ودمائنا)، لو كنا نقف على أقدامنا لا على رؤوسنا. ولكي تحتضن الدولة العبرية وتستخدمها بهذه الطريقة لتبقينا تحت خط الزمن، بل تحت خط الحياة. ولطالما نبهنا صادق جلال العظم إلى بناء دولنا ومجتمعاتنا حتى بالمفهوم الكلاسيكي للدولة والمجتمع، لا مضارب للقبائل ولا صوامع للطوائف.

 

لكننا نصر على أن نبقى نزلاء الأقبية، غالباً أقبية الجحيم. تصوروا أن أحمد الشرع (الذي أتي به، كما قيل، لبناء سوريا كدولة تتفاعل مع ديناميات القرن، والذي يدغدغه الأميركيون ويعبث الإسرائيليون بلحيته كإسلامي أصيل) يفاوض بنيامين نتنياهو بلغة الدجاجة لا بلغة الصقر. كل ما يبتغيه، وهو "بطل التحرير"، هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك (أيار 1974)، أي إبقاء مرتفعات الجولان أرضاً إسرائيلية، بعدما صرح زعيم الليكود أمام الملأ إن الاتفاق سيكون لمصلحة إسرائيل (أي الاحتفاظ بالجزء السوري من جبل الشيخ الذي كان دوماً رمزاً لكبريائنا)، ودون أي وجود للجيش السوري في الجنوب الغربي من البلاد، مع إبقاء السويداء خارج سلطة الدولة لتكون، بعد المجازر البربرية التي لحقت بأهلها، القنبلة الموقوتة لتفكيك سوريا أو تفجيرها.

 

أما نقول أهلاً بنتنياهو في ديارنا، بينما نعيش ذلك الاختبار المرير لـ"الحساسية السنية – الشيعية" التي تثبت سقوطنا كدولة وكشعب لحساب إسرائيل، إسرائيل العظمى التي تلاحق اليوم بالخناجر من قهرها ذات يوم، ليسأل آرييل شارون آنذاك: "هل نحن في طريقنا إلى النهاية؟"

 

ولكن أليس ذلك حلقة من ذلك السيناريو الذي أدى بالأمة ودولها المبعثرة (من الخليج إلى المحيط، ومن يعرب بن قحطان إلى محمود عباس) إلى السقوط، لنقول: "أيتها السيدة الجميلة مورغان أورتاغوس، اغرزي أظافر راحيل في عيوننا لكي نستيقظ". ولن نستيقظ.