في يوم اللغة العربية الذي يصادف 18كانون أول من كل عام ومن خلال متابعاتي لما ينشره الكثيرون من الهواة والناشطون سواء كأخبار أو كتحليلات أو معلومات أوبيانات على منصات التواصل الاجتماعي باللغة العربية، أرى من واجبي التنويري والوطني أن أكتب هذه الملاحظات ,عسى أن يدرك البعض هدفي منها ...
فألاحظ نشر بعض الأخبار التي لا أساس لها من الصحة ,وخصوصا تلك التي تصنع الإثارة عند البعض وتجذب انتباههم السطحي دون نظرة عميقة وبعيدة، تلك الاثارات
تأخذ عند العوام من الناس من غير القارئين الحقيقين، اهتمامات زائدة وتشغلهم بمساحات واسعة في النشر والاهتمام ويتم تكررها يوميا واسبوعيا في منصات التواصل وكأنه صدق ،فنلاحط البعض يقرأ الكذب فيجهد نفسه به,بينما لا نجده يتابع مدى مصداقية تلك الشائعات والاخبار,وبذلك يظن البعض أنهم يقدمون خدمة للأخرين بنشر تلك الأخبار الكاذبة والكثيرون من الناس يلهون أنفسهم بتلك الاخبار الزائفة ولا يكلفون أنفسهم بعض الجهد لقراءة حقيقة او موضوع يلامس الواقع وينور العقول؛فالاخبار الصادقة والواقعية لا تجد لديهم أي اهتمام رغم أهميتها ,..
هذا مؤشر بأننا - فعلا - أمة لا تقرأ ... ومفهوم القراءة لا يعني تحويل الرموز المكتوبة إلى أصوات ولكن بمفهومها اللغوي الذي يدركه العرب قديما وأرباب اللغة العربية في عالمنا المعاصر,
فالقراءة تعني لغويا "التجميع" , وما سمي " القرآن " بهذا الاسم إلا لأنه جمعت أياته وسوره بين دفتي مصحف...
وفي السيرة النبوية أن الله أمر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في سورة العلق وهي أول أيات أنزلت على نبينا ,توضح له اهمية القراءة في الدعوة إلى الله , والله يعلم أننا أمة لا نقرأ ,وهذه علتنا حتي الآن فانزل أياته أولا ليقول لنبيه ولأمته : "اقرأ " وهي لا تعني أن يقرأ بمفهومها المتداول لدينا الآن , بل إن لها معنى عربي مبين , فقد امر نبيه ورسوله بأن يجمع كل مالديه من معلومات وخبرات ليدرك ويفهم ويحلل ويركب ويقييم .. فقد قال له جلا وعلا:
﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم﴾
إلى أخر الأيات القرانية ,التي تطلب منه المعرفة والتعليم ومعرفة ما لم يعلم, ابتداء بكيفية خلقه من علق .
,والقراءة لا تعني تحويل تلك الرموز المكتوبة إلى أصوات فحسب ,ولكنها تعني ان نجمًّع بين مفاهيم ومعاني تلك الرموز عقليا, ونستدعي خبراتنا ومعرفتنا السابقة ,لنقوم بعمليات عقلية عليا، تبدأ بالفهم لتلك الرموز وتحليلها وتركيبها واعادة انتاجها وتقيمها ..
القارئ الحقيقي هو من يمتلك فِطنة ومعرفة التحقف مما ينشر، وابعاده السيكلوجية والاجتماعية والسياسية ,وعليه أن يشغل مدارك القراءة لديه ،ليدرك ما خلف السطور ,ويقرأ ما بين الكلمات،من غير ذلك لا يعتبر إلا كببغاوات ,او كتلك البرامج الالكترونية التي تستطيع أن تقرأ ما لقنه لها المبرمج أو الصانع، ولا يتعدى ما لقن له , وهذا للاسف ما نلاحظه عند اغلبية أبناء جلدتنا حتي المتعلمين منهم وحملة الشهادات العليا.
واخيرا: نسأل الله أن يلهمنا لنقرأ ونتعلم ونبصر ونفهم وندرك ونحلل ونركب ونقييم, حتي نخرج من آلامنا ومحنتنا ووضعنا العربي المزري...والدهر فقيه.