اختلط لدى الكثيرون في مجتمعنا اليمني خصوصا والعربي عموما مفهوم الانتماء الحزبي مع مفاهيم الانتماء المناطقي والعشائري والطائفي والأسري حتى أعمت البصائر ووجدت توجهات مجتمعية معادية وكارهة للعمل الحزبي وللأحزاب واعتبار الأحزاب تشكل احد المعيقات للتنمية والتطور في محتمعنا ،ويعود السبب في ذلك-باعتقادي- للموروث العقائدي الديني عن فكرة الأحزاب والنظرة للعمل الحزبي بانها فكرة غربية لا تتناسب مع المجتمع العربي ذو الاغلبية المسلمة،ولأن مجتمعاتنا حديثة عهد بالديمقراطية،فلم تترسخ مداميك العمل الحزبي الصحيحة في المجتمع حتى الآن،وانتج الحكام المستبدون والشموليون نماذج حزبية مشوهة بغرض الإساءة للعمل الحزبي،اضافة إلى توسع دائرة الجهل والأمية السياسية والفقر في مجتمعاتنا،اضافة إلى تولي تشكيل و إدارة العمل السياسي داخل الاحزاب اليمنية من قبل أفراد وجماعات لا يحملون صفات القيادات القويةو المخلصة والأمينة،وأن بعض القيادات المؤسسة كانت ولا زالت على صلة مباشرة بالجهات الأمنية التابعة للمتنفذين في الداخل أو ترتبط بمصالح دولية وإقليمية أو تنظيمات دولية تعمل خارج الوطن،وقد ظلت تلك القيادات تنفذ تعليمات وتوجيهات تلك الجهات،مع وضع هامش بسيط للحرية داخلها،مما أعاق نمو وتطور تلك الأحزاب ولم يسمح لها أن تصبح أحزابا جماهيرية قوية،فالأحزاب اليمنية كلها ظلت أحزاب تتبع السلطة احيانا أوأحزاب تابعة،وتتحرك وفقا لأجندات مرسومة لها سلفا،وتكرار نفس اخطاء السلطات التي ولدت في كنفها؛مما كان سببا رئيسيا في تشويه مفهوم العمل الحزبي.
بالرغم أن الأحزاب اليمنية أتيحت لها فرص عديدة لتصحيح مسارها الوطني وتبيض سمعتها إلاأن تلك الأحزاب كرست وعززت في تحالفاتهم وبأساليب إدارتها الداخلية وإدارتها للإزمات مبادئ الشمولية والأسرية والمناطقيةوالمذهبية،وزيفت وعي منتميها وغير منتميها بمفاهيم العمل الحزبي المغلوط من خلال ممارسات القيادات داخل أوخارج الأحزاب،حتى أصبح الكثيرون من الحزبين يعتبرون الأحزاب أحصنة ومراكب للتسلق في تولي القيادات وأبسط وسيلة للوصول إلى تحقيق الذات وتولي المناصب والمسؤوليات في الدولة عبر التحاصص والتقاسم للمواقع القيادية،دون أي معيارية وطنية،وغياب مبدأ الشفافية والعمل المؤسسي في إجراء عمليات التفاضل بين الكوادر القادرة والمؤهلة داخل الحزب،لتولي المناصب الحكومية المخصصة للحزب عندما يكون هناك محاصصة بين الاحزاب، وسيادة مبدأ "من تولى على البيضة أكل صفارها" كما يقال في المثل اليمني،وليس ذلك فحسب بل الاستمرار في تزييف وعي الناس بخلق المبررات لما تمارسه من أخطاء.
الظروف التي تمر بها اليمن منذ اندلاع الحرب أبرزت للناس معادن وأصالة السياسين داخل الأحزاب اليمنية وعرتهم على حقيقتهم وأتضح للجميع صدق توجه تلك الأحزاب وصوابية ما كانت ترفعه من شعارات ومطالب ضد ما كانت تسميه تلك الأحزاب بالنظام العائلي والأسري،وعندما تولت قيادات تلك الأحزاب المسؤولية في بعض المواقع داخل الدولة مارست الأسرية بكل أشكالها في السلكين العسكري والمدني،وذبحت ما كانت ترفعه من شعارات في أول محك عملي لها.
هذا كله يدل دلالة قاطعة أن تلك الاحزاب بقياداتها وبعض قواعدها لم تصل إلى مستوى النضج في فهم العمل الحزبي السياسي فألتصق بوعي الناس الكثير من المفاهيم المغلوطة عن العمل الحزبي ومن تلك المفاهيم :
-اعتقاد البعض أن الانتماء للأحزاب من أجل تحقيق المصالح الشخصي، متجاهلين مفهوم أن الانتماء للأحزاب من أجل هدف وطني أعلى تحقيق دولة العدالة والمساوة والرفاه لكل الناس،وأن يهنأ الجميع بخيرات اليمن،وليس من أجل تحقيق الرفاه لأسر أوشلل أو عصابات داخل الأحزب ،أو أن يصبح البعض عبيدا للقيادات تقبل ركبها أوتمدح فسادها و وتقدس خروجها عن القيم والمثل الوطنبة العليا.
-من المفاهيم المغلوطة داخل الأحزاب أن البعض يريدك في حزبه مسلوب الارادة والانتماء للوطن لتصبح ألة تمدح فسادة وممارساته التي لا تمت للعمل الوطني بصلة.
يفهم البعض أن الانتماء للحزب يعني البحث عن أخطاء وزلات الأخرين فقط والتمترس في متارس الحزب لتدمير جبهات أحزاب أخرى مناوئة أو معادية له؛فينتقد ناشطوه وإعلامه بانتقائية فساد الأخرين،وينسون فساد اعضاء وقيادات أحزابهم وهذه هي الكارثة،وهذه واحدة من أساليب تشويه العمل الديمقراطي والانتماء الوطني للاحزاب في بلدنا ,واعطاء صورة سلبية عن العمل الحزبي والسياسي، لدرجة أن الاغلبية من الناس أصبحت تفهم الحزبية بانها مناكفات ومشاحنات لا تخدم قضاياها ولا تتلمس أولويات المجتمع حتى أنها لا تطيق سماع كلمة حزب او تنظيم أو ما شابه ذلك..
ختاما يمكن القول بأن الاحزاب اليمنية وجدت كمسميات لكنها لم تولد بعد، لهذا أتمنا من كل الموضوعين والعقلانين والمهتمين بالشأن السياسي والحزبي في اليمن وفي الوطن العربي أن يخصصوا جزءا من انشطتهم وبرامجهم ونقاشاتهم وحوارتهم لنقد وتقييم تجربة الأحزاب في الأربعة العقود الماضية ،لغرض تيسير الولادة لتلك الأحزاب،وان نراها في أدائها لا في مسمياتها وشعاراتها، وان نساهم في الوصول إلى أحزاب جماهيرية قوية تتبنى قضايانا وتنحاز لمصالح الناس وتسابق في ابراز سمعتها،وتدافع عن هموم الأغلبية المقهورة البائسة، ولن يكون لها ذلك إلا بحركة وعي سياسي جماهيري يضغط عليها لتكون أحزاب حقيقية بعيدة عن كل الأسماء والايدلوجيات والشعارات والمغالطات.... والدهر فقيه