لن يكون هنالك تغيير حقيقي في صنعاء إلا من خلال وجود مقاومة/حركة نضالية متماسكة وشجاعة وجريئة واسعة تتزعمها نُخب مدنية على دراية تامة بظروف البلد وتعقيداته وتركيبته الاجتماعية، أما الرهان على الدور القبلي في إحداث تحول ما لصالح مسار المواجهة مع جماعة الحوثي عن طريق تأجيج النزعات والمحفزات الثأرية هو رهانٌ لا امل فيه، ولا جدوى منه على المديين القصير والبعيد.
لقد عملت الحركة الحوثية على استقطاب القواعد القبلية بطريقة أكثر فاعلية، الشابة منها تحديداً، وكانت أكثر قوة اقتربت من وعي هذه القواعد/الفئة، ولامست رهاناتها وخيالاتها، حتى وإن كان قد جرّت عليها الكثير من المخاطر، تبقى هنالك حسابات وتطورات عصيّة على الفهم من وجهة نظر خارجية خصوصاً تلك التي تُقيّم العلاقة بين الطرفين على ضوء ما يمكن عدّه كخسائر مدنيّة، فالاستعدادت الاجتماعية والثقافية تختلف، فتختلف معها الاستجابات للظروف والمتغيرات والعواقب، لهذا يبدو من الصعوبة بمكان في المرحلة القادمة استقطاب هذه القاعدة الاجتماعية ودفعها للدخول في مواجهات دامية مع جماعة الحوثي.
هناك أمرٌ أخرٌ مهم ينبغي التنبه له؛ فحصر المواجهة مع جماعة الحوثي في إطار الأعراف القبلية، وليس في إطار وطني عام، سيُعيد الأمور؛ في حال حدثت هبّة قبليّة بالفعل وأدّت إلى تقويض الحركة الحوثية، إلى عودة ظافرة لأحضان جمهورية القبائل التي هيمنت على الفترة الزمنية الأطول من عمر جمهورية ما بعد 26 سبتمبر، جمهورية الأزمات والفساد والحروب المستدامة، إن جاز وصفها بـ"الجمهورية"، وقد سبق للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وصف مثل هذا التحول في مذكراته، بدقة وأمانة متناهية.
" كان أبناء حاشد الذين كنت أقودهم هم جيش الثورة... وكان الشعور لدى قبائل حاشد مشائخ وأفرادا أنهم مسئولون عن حماية الثورة وأن الثورة ثورتهم ، وهذا الإحساس تولد لدى حاشد نتيجة لما أصيبوا به عندما استشهد الوالد والأخ حميد وما نالهم من الإهانة والمعاناة، كل هذا أوجد عندهم شعور أن الثورة ماقامت الا كرد فعل رسمي وشعبي لما حدث وأن أهم عوامل قيامها هو ماحل بحاشد ومشائخها، وانطلاقا من هذا الإحساس والشعور أصبحت لديهم قناعة أنهم مسئولون عن حماية الثورة وأن ذلك يهمهم ويخصهم أكثر من غيرهم. وهذا الفهم كان موجودا لدى بعض الذين كانوا يحاربون الثورة من القبائل الأخرى، حيث كانوا يعتبرون أن الثورة هي ثورة حاشد"
(مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الآفاق للطباعة والنشر، صنعاء، 2007 ، ص 85-87)