يقول استاذ كندي متخصص في علم النفس والتربية ، يقول مررت في يوم اجازة رسمية على عمارة كبيرة عبارة عن مجمع سكني هائل ، يقول هذا المُجمع الهائل يسكنه مختلف الاعراق والطوائف والجنسيات ، ويقول وهالني العدد الكبير من الاطفال الذي يلهون معا بمرح ومودة ملفته وعجيبة . كان بين الاطفال اصحاب البشرة السمراء والصفراء والملونيين وكذلك الاطفال البيض والهنود الحمر ، وكانوا جميعا معا يمضون اجمل الوقت في اللعب ويعبرون عن حالة من الانسجام والتناغم والتعايش ، وقال هولاء اريدهم يكبرون فلا يتغيرون وهكذا افتخر بوطن نعيشه ببراءة الاطفال !!
هولاء الاطفال لحسن الحظ لم تلوثهم العنصريات ولا المذاهب ولا فرز الالوان ولا المناطقية ولا ثقافة الكراهية المدمرة المقيتة، و سوف يكبرون الاطفال وربما بعد حين يسمعون من ابائهم ومن اقاربهم ومن اهلهم ومن الاخرين ، يسمعون احاديث تجعلهم يبدأون في رسم حدود التباعد عن بعضهم وحشد الكراهيات وبعد ذلك تصبح هذه الكراهيات طباعا مرسومة كالوشم عى ابدانهم ومشاعرهم وعقولهم، فتثقلهم و تثقلنا وتقلقنا ، ولا نبراء منها الا باعادة تثقيف مضنية وقد تصبح تلك المفاهيم للاسف راسخة و مستحكمة .
هذا المجتمع الصغير مجتمع الاطفال البريء الخالي من العقد والغل وحشد التاريخ المؤلم والذكريات الحِقدِية ، هو لاشك المجتمع السليم الذي يجب ان نترسمه ونتامله ونحاول كي نوطده في عالمنا العربي بل والعالم الثالث قاطية .
فنحن لا نستطيع ان نعيش بانسجام وفي قلوبنا حالة انفصال او فُصام نفسي وكره وشكيَّة تخوف من الآخرين .
ولا أعتقد ان الامة الاسلامية والعربية مرت بهذا التعايش في مجتمع متناغم منسجم وانساني، الاّ في حالات نادرة لم يكتب لها الرسوخ والديمومة .
والحالة الاولى، لمجتمع برىء من احقاده وغِلِّه ،هو المجتمع الذي وطد لمحبته وانسجامه ووشائجه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عندما آخا بين المهاجرين والأنصار وعندما وضع دستور المدينة ( صحيفة المدينة) الذي كان اول قانون تعايشي في التاريخ.
وهي اتفاقية حقوق وسلام وتعايش سُميت الان بتسمية حديثة اي - دستور المدينة - ورسخت تلك الاتفاقية للتعايش والتعاضد وحماية سكان المدينة لبعضهم البعض، وكانت بين مختلف الطوائف اليهودية والمسيحية والصابئة بل وعبدة الاوثان فضلا عن المسلمين . والحالة الثانية هي زمان الوصل في -الاندلسِ- والذي لم يكن وصله الا حُلماَ في الكرى او خلسةِ المختلسِ .
اليوم وبحكم حياتي في مجتمعات متعايشة دينيا وحقوقيا وسياسيا، استطيع ان اقول ان الغرب كله يعيش ويتمتع الى حد ما بهذا الانسجام، ولن اتحدث عن طوايا الناس ودواخلهم ، ولكن ما رسخه القانون وما وطَّده .
ولانني قضيت سنوات طوال اعيش مع مجتمع -كندي- جُله من المهاجرين وبمختلف الثقافات والاديان والسُحن ، فانني اعود وسال نفسي كيف تأتَّى هذا التعايش ؟ والجواب ؟ إنها وثيقة الحقوق المدنية الكندية والتي وضعت الثوابت للتعايش بين الطوائف والاعراق والقوميات، في هذا البلد الفاره وهي وثيقة هامة يمكن ان نعمل بها ونرسخها . او نعود الى دستور المدينة فربما هو الارقى لتنتشلنا من هواننا .
وعن وطننا فقبل وضع اهداف الثورة -الستة- كان حرُّي بالوطن وضع وثيقة -الحقوق- فما نسمعه من غل هو توحش يدمر الوطن ويحشد للعدائيات وترسخ ونشر هذا الغل بسبب عدم وجود ثوابت التعايش وأيجاد قانون الحد من ثقافة الكراهية .
وامثلة على ذلك ما اصاب العراق - الكليم - من حشد كراهي نفسي خطير أُستُنفر في لحظة واصبح هو السلاح الفتاك الذي اجهز على الوطن الجميل المتعايش منذ ايام البابليين والقائد والمُشرع - نبوخذ نصر .
كيف افلت هذا التعايش وتحولت محبتنا الى كراهيات؟ . اسالوا انفسكم كيف تعايشت الطائفة اليزيدية والطائفة التوركمانية والاكراد والمسيحيون مع المسلمين وكيف تعايش الشيعة مع السنة ؟ منذ بداء التاريخ ؟وكيف انفرط العقد وتحول المجتمع الى اقطاب وجبهات وثآرات، فصار الوطن الجميل مقبرة موحشة ؟ من حشد هذا الويل ؟.انها ثقافة الكراهية!!.
لا توجد في وطني تشريعات تحّرم وتوقف وتُلجم ثقافة الكراهية وهي من اهم الثوابت التي لا يمكن لاي مجتمع مدني متحضّر ان يحيى وعيش من دونها ، ولقد قلت ان -داعش -والقاعدة هم شباب عاقل ولكنه تلقَّن الكراهيات مع حليب أمه ، وانه مشحون بثقافة عدائية عدمية انتحارية مخيفة وان انتصارنا عليهم هو نزع الحقد والغل من قلوبهم واحلال ثقافة التعايش ، وهم للاسف ضحايا او كما يسمونهم تخفيفا لاستئناسهم في المملكة العربية السعودية -مغرر - بهم .
وحقيقة وللاسف الشديد فأن الغرب لا يساعدنا، ونهجه في هذا دعهم وشانهم!! ، ويرددون هذه ثقافتهم العرب والمسلمين وطباعهم عبر التاريخ !!. أذن يجب علينا ان ننقذ انفسنا ، واول هذا الوسائل المنقذة للمجتمع هي منع بل تحريم نشر ثقافة الكراهية .
واشرت في مقال سابق لي ،كيف لنا اننا نعاقب من يتجاوز السرعة، لانه شكل خطرا على نفسه والمجتمع ، ولا نعاقب من يتجاوز امننا وتعايشنا وسلامنا . لا بد من وضع قانون وسريع وتكريسه على الواقع لنحمي امننا وسلامنا ووطننا ولا بد من نقل القانون لنتعلمه في المدارس والجامعات والقاعات بل والمساجد والبرلمان .
تتحدث صورة رائعة نشرت في قصر الرئيس اليمني- هادي- ، تتحدث تلك الصورة عن التعايش الذي ننشده . في المجتمع اليوم حيث تنقل الصورة صفوف من مصليّ السنة وكان من امهم لصلاة العيد ، كان إماما من المذهب الزيدي . تلك الصورة البهية الرائعة التي تبعث حالة من الزهو صارت مَذمَّة في اليمن وربما غير اليمن ، وهذا يشكل الجهل المخيف وثقافة الكراهية المقيتة التي تشبثت بنا وسكنتنا وترسخت في عقولنا فمحت توادنا وتعايشنا .
القوا بهذا الحقد المذهبي وارتقوا بثقافتكم ، فشخص يسب الناس ويتهمهم في امر يخصهم دون اي جريرة ارتكبوها الا انه يدين بمذهب،او عقيدة ! هذا الشخص يعيش ثقل ثقافته المنهكة والمضنية والمخيفة.
من يرى نفسه محاميا عن الله ، ليتذكر ان الانبياء نهو عن ذلك و ليتذكر ان المؤمن ليس بطعّان ولا لعّان، وان من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه . الله وحده اعلم بما تخفيه الصدور ، ورب اشعثٍ اغبر لو اقسم على الله لابره .
من يسب زيدي او شافعي او اسماعيلي او احمدي او علماني او يهودي او نصراني او بوذي ليسال نفسه هل افاد الوطن؟ وهل رسخ للتعايش ام انه يدق اسافين الحقد ويشعل النيران في هذا الوطن المذبوح من الوريد الى الوريد .القوا بالحقد والشحناء الديني والتمترس فلن تخسروا الا مخاوفكم واحزانكم بل ومآسيكم وأنتحارتكم
* كندا - برانت فورد