لمصلحة من تقسيم حضرموت؟

2025-04-12 02:56

 

أعترف بكل صراحة أنني لم أستطع استيعاب أسباب اشتعال الحملة الشعواء بين الأطراف المتصارعة في حضرموت، والتي يصر عرابوها على تصويرها بأنها صراعٌ ومواجهةٌ بين الساحل والوادي ومعه الصحراء أو الهضبة.

منذ الأمس كنت قد أشرت إلى أن محاولة تقسيم حضرموت كانت قد بدأت بعد اشتعال المواجهة الوطنية عقب ما عرف بحادثة "اغتصاب المكلا" في العام 1997م، وبرغم الجهود والإمكانيات المادية والعسكرية والمخابراتية التي سخرها النظام لإنجاح خطته، لكنها تحطمت على صخرة الرفض الوطني لأبناء حضرموت ومعهم كل أبناء الجنوب.

ما يجري اليوم هو أخطر من مشروع عفاش الذي كان يهدف إلى تقسيم المحافظة إدارياً، على أمل أن ينجح بعد ذلك في صناعة الانقسام الاجتماعي والوطني بين أبناء حضرموت.

ما يجري اليوم هو محاولة لصناعة معسكرين متعاديين ومتخاصمين وربما متواجهين داخل حضرموت لأسباب سنتوقف عندها لاحقاً,

الحقيقة أن الحملة العدائية تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي ومشروعه الوطني التي تلت زيارة الأخ عيدروس الزبيدي إلى حضرموت كانت بلا مبرر، لأن تلك الزيارة والخطاب الذي ألقاه اللواء الزبيدي أمام المحتشدين في ساحة الاحتفالية، لم يتضمن أية إساءة إلى أبناء حضرموت، بقدر ما أراد اللواء عيدروس ان يمتدح حضرموت بالأشارة إلى أن قرارات تاريخية ستنخذ من داخل حضرموت، وهو يعلم أن حضرموت هي الفيصل في كل القضايا والتحديات على الساحة الجنوبية، وكما قلت إن "لا جنوب بدون حضرموت ولا حضرموت بدون الجنوب".

واتصور انه لم يكن من الحكمة تلك الحملة التي تعرض لها الشيخ بن حبريش رئيس حلف قبائل حضرموت، والتي وصلت إلى فصلة من قيادة حلف قبائل حضرموت، وهو خطوة قصوى كان يمكن تجنبها ومعالجة اي خلافات داخل قيادة الحلف؟ انطلاقا من الحرص على وحدة الصف الحضرمي.

ثقافة المواجهة والتصعيد لا تخدم هذا الطرف ولا ذاك سواء على مستوى حضرموت أو على المستوى الجنوبي عامة؟ والبديل لهذا هو ثقافة الحوار والقبول بالآخر وصناعة القواسم المشتركة، أما الذين يغذون التباينات والاختلافات والمواقف العدائية ويسعون لتحويلها إلى صراع إقصائي لا ينتهي إلآ بدحر أحد الطرفين، فإنهم لا يمكن أن يكونوا حريصين على أية مصلحة، بما في ذلك مصلحة الطرف الذي يدعمونه، فمصلحة حضرموت والجنوب هي فوق كل اعتبار وأي مصالح فئوية أو حزبية أو شخصية ينبغي استبعادها نهائياً من أجندة النضال الجنوبي بما في ذلك نضال أبناء حضرموت من أجل استعادة حقوقهم واستثمار ثرواتهم التي تنتجها أرضهم.

*  *   *

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورا لمجموعة من العسكريين من جنود المنطقة العسكرية الأولى من أبناء محافظات الشمال وهم يرفعون لافتات يطالبون من خلالها بانفصال حضرموت عن الجنوب، وكانت حالات مشابهة قد جرت منذ نحو سنتين عندما نظمت قيادة المنطقة العسكرية الأولى احتفالية إعلان الدولة الحضرمية وقدمت فيها رقصات لأبناء عمران والمحويت وذمار، ولم تقدم فيها أية رقصة أو أغنية حضرمية

واليوم كنت أتابع إحدى المساحات على منصة (X) يطالب المتحدثون فيها بتحرير ساحل حضرموت من النخبة الحضرمية والسلطة المحلية ولم يتردد معظم المتحدثين عن المطالبة باستبقاء قوات المنطقة العسكرية الأولى في الوادي والصحراء وبقية مناطق انتشارها بل والمطالبة لتحركها باتجاه الساحل لتحريره من أهله.

من لديه أي مقدرار صغير من الفطنة سيدرك أن مشجعي الانقسام والتصعيد لا يخدمون مصلحة حضرموت ولا حتى أحد طرفي الصراع فيها، وإنما كل هدفهم هو توسيع الشرخ الوطني بين أبناء حضرموت وكل هذا من أجل إبقاء حضرموت وأهلها وممكناتها ومقدراتها تحت الهيمنة والتسلط الغريبين وحرمان حضرموت من اختيار طريقها الوطني واستثمار ثرواتها لخدمة رفاهية أهلها الذين يعانون الأمرين جراء الحرمان والإقصاء والعبث بالثروة والتسلط وصناعة التلوث البيئي في مناطق استخراج الثروات النفطية والمعدنية من أرضهم.

يا أبناء حضرموت استعيدوا عقولكم!

كل الشواهد التاريخية تؤكد أن أبناء حضرموت وقادتها ومثقفيها وسياسييها ودعاتها الدينيين وتجارها هم أكثر الناس واقعيةً وعقلانيةً وصدقاً ووفاءً وتواضعاً وبعداً عن الشطط والتهور والاستهتار والعدائية والكراهية، فلماذا يندفع البعض منهم هذه الأيام بشغف لا يضاهى باتجاه توزيع حضرموت وأهلها إلى خندقين أو أكثر كل ذلك فقط وفقط لأن هناك أطراف خارجية أو وافدة ترغب في هذا؟

أبناء حضرموت ليسوا قُصَّراً حتى يساقون كالقطعان إلى متارس المواجهة الحمقاء التي لا تخدم إلآ أعداء حضرموت فاستعيدوا عقولكم أيها العقلاء، واستثمروا طاقاتكم وسمعتكم في الدفاع عن وحدة حضرموت ومكانتها وسمعتها وثرواتها المنهوبة وقرارها المصادر.

وكل عام وأنتم بخير