إن كان التعليم - كما يقولون – البنية التحتية للمعرفة بأشكالها ومراحلها المختلفة, فهو النهر الدفّاق الذي يجعل أوراق شجرة المستقبل دائمة الخضرة..
وإن كان الأمر كذلك فأي مستقبل ينتظرنا؟ وأي ظلام سيطبق علينا؟؟ فالتعليم حاله تسوء, وأوضاعه تضمحل, و مخرجاته تهزل, وليس لنا منه إلا جعجعته وقشوره وزبده..
وكيف تستقيم هذه الحال والأوضاع والمخرجات, مع ما يحصده أبناؤنا من نسب أسطورية تعد في زماننا وجيلنا من رابع المستحيلات, مهما بلغت عبقرية الطلاب الأوائل وذكاؤهم؟؟!!
فأين الخلل إذن؟ في النتيجة أم في التنفيذ, أم في العملية الامتحانية بمراحلها المختلفة, إعداداً و تنفيذاً وتصحيحاً؟؟أين الخلل ونحن في كل عام دراسي تطفو على شفاهنا علامات استفهام كبيرة, ونسمع أحاديث تختلط حقائقها بإشاعاتها, ومعقولها بما لا يعقل فيها.
فالحديث يطول عن طبيعة الأسئلة الاختبارية بشرائحها أو نماذجها المختلفة التي لن تعْدل في تقييم الطلاب مهما حرص واضعوها, وعن تسرب الأسئلة أو انتشارها على مستوى الشبكة العنكبوتية, وعن استئجار معلمين لحل الاختبارات, وعن مشرفين ومراقبين وملاحظين لا يعرفون من المراقبة إلا فتح المظاريف و إغلاقها, وعن توصيل الغش مجانا إلى المدارس بما فيها النموذجية, وعن الشيخ الذي أخذ طلاب القرية (في الوجه), وعن دفع الطلاب للمراقبين بدل غش, وعن تساهل بعض الملاحظين أو غض الطرف, بحجة أن الغش قد استشرى, وأصبح حقاً مكتسباً, فكما يتساوى الطلاب في الواجبات يتساوون في الحقوق.
وهل المصححون من ذوي التخصص؟ هل هم من معلمي الصف الثالث؟ كيف يصححون؟ بالتقدير أم بالتدقيق.. بنص الإجابات النموذجية أم بروحها ومعناها؟ هل يحابون أو يميزون طالباً على آخر, مدرسة على أخرى, مدينة على مدينة؟ كيف ترصد الدرجات؟ أبحرص شديد, ويُعطى كل ذي حق حقه, أم أن الأمور تتم بعجلة وبلامبالاة, وأن الهم الأكبر عدد المظاريف والكراسات التي يصححها, لا الدرجات التي يرصدها؟ هل تظهر النتائج النهائية كما ترد من مراكزها, أم أن هناك اعتبارات أخرى؟ هل تضاف إليها - حقيقة – الدرجات العشرون المعتمدة من المدارس؟ وهل هذه المعايير أو تلك واحدة على مستوى النماذج الاختبارية والمراكز الامتحانية والتصحيحية؟؟
لم تتأخر النتائج عن موعدها؟ وهل هي توافقية تُفرَّق حصيلتها على المحافظات أو أنها استحقاق؟ هل الأمر مصادفة أن يكون الأول من صنعاء والثاني من عدن والعكس, أو أن ذلك على ميعاد؟ وهل هذه الدرجات وتلك النسب التي تعيد إلى الأذهان الانتخابات العربية حقيقة أم أنها مفخخة تستهدف مفاصل التعليم؟؟
وأسئلة كثيرة تشغل المعلمين والطلاب والآباء, وتجعل الامتحانات هذه عبئاً ومضيعة للوقت والمال, فالواجب الملح اليوم , الواجب الوطني والديني والأخلاقي و... يكمن في الآتي:
أولاً: إلغاء امتحان الشهادة العامة, ثم يخضع الطلاب لامتحان قبول في الكلية التي يختارها..
ولتجرب الجامعة في عام الإلغاء, فتح الكليات على مصاريعها.. فقط تحدد عام التخرج وعدد الطلاب المطلوب قبولهم, ثم تضع امتحان القبولالذي يليق بها, ويجعلها تفخر بطلابها حين التخرج.
ثانياً: إعطاء التعليم استقلالية تامة على مستوى المحافظات, بما في ذلك إعداد المناهج والبرامج والخطط.
ثالثاً: العودة إلى السلم التعليمي السابق.. إما الإعدادي وإما المتوسط..
أما إن ظل الأمر على ما هو عليه فالكارثة واقعة لا ريب فيها, وسنظل في انحسار وانسحاب دائمين.. فإذا كنا نحن طلاب السبعينيات والثمانينيات نُنعت بالثانوية العمياء بدلاً عن الثانوية العامة أثناء فترة التجنيد.. فكيف اليوم, والتربية قد ترهلت, واشتعل التعليم شيباً؟! بم سيُنعت طلاب القرن الحادي والعشرين, جيل الواتس أب والانستغرام؟؟؟