كانوا في الأزمنة الغابرة يبكون الديار و الأطلال.. أما اليوم فإني أرى في بلدي الكثير من الديار خرائب و أطلالا.. أراها اليوم تبكي أصحابها و أهلها, حين هجروها وأهملوها وتركوها عرضة لعوادي الزمان وتقلباته, فصارت إلى ما صارت إليه اليوم, وزالت معالم وملامح الكثير منها, ومنها ما بقيت أركانه تقاوم –وحدها وبلا ناصر- تقلبات الأيام, بعد أن تخلى عنها أهلها و انسحبوا من المواجهة لأسباب مختلفة, فبكت الفراق و الإهمال كما بكت ديار بغداد أهلها حين غزاها المغول ذات يوم..
وصارت تشكل خطرا على المدينة وأهلها و تهدد السكينة و الأمن و الحياة برمتها.. هذه المنازل الأطلال في مدينتي غيل باوزير, ينتشر منها الكثير – خاصة – في الجزء القديم من المدينة , فمنها ما يهدد المارة كبارا وصغارا, وبلغ بها الحال اليوم إلى مالا تحمد عقباه, مما اضطرهم إلى إغلاق الطريق المحاذي لهذا البيت أو ذاك حتى لا يقترب منه أحد.. ومنها ما صار مرتعا للهوام و وكرا قد يجد فيه الكثير من اللصوص مبتغاهم فيختبئون فيه حين مطاردتهم – مثلا - أو يخفون فيه بعض مسروقاتهم, كما يجد هواة الرذيلة أو غيرهم مقصدهم وضالتهم..
لهذا صار مثل هذه البيوت المهجورة.. خطرا حقيقيا بكل ما تعنيه الكلمة, وخاصة على الأطفال الصغار الذين يلعبون في مثل هذه الأماكن.. صارت خرائب موحشة, وقنابل موقوتة تهدد الجميع, بعد أن كانت ذات يوم عامرة بالبشر و الحبور و الضحكات والذكريات ..
لقد هجرها أهلوها لكثير من الأسباب, بل أهملوها, وحين تسأل, يجيبك المسؤول بأنها بيوت ورثة.. وأن هؤلاء الموجودين هم أبناء أو أحفاد الوارث الحقيقي.. وهذه هي المأساة الحقيقية و الخطأ الجسيم, حين تجد بيتا مثل هذا, و لا تستطيع أن تحدد أو تحصر عدد ورثته أو من هم؛ لطول الأمد وموت الورثة الحقيقيين, وتناثر أبناؤهم وأحفادهم هنا و هناك ومنهم من لا يعلمون عنه شيئا..
لهذا يجب على الدولة ممثلة بسلطتها المحلية, ومن تقع مثل هذه الأمور في دائرة اختصاصهم التدخل السريع و العاجل لحل هذه المعضلة و إزالة الخطر الذي يهدد الجميع بأي وسيلة كانت..
كما يقع على الخطباء و الوعاظ والكتاب دور كبير في طرح مثل هذه الأمور المجتمعية التي ترتبط بحياة الناس وأمنها و سكينتها..
هنا فقط, وفي هذه العجالة, نقرع الأجراس.. لعل أحدا يسمعها فيستجيب, قبل أن نبكي على من أصيب أو مات تحت هذه الأطلال !!