أن يقضي المرء خمسة وثلاثين عاما, بالتمام و الكمال , مع الشغل و النفاذ,في أداء وظيفة ما, كالتدريس مثلا.. فهذا الذي يستحق أن يصنع له تمثال من ذهب,و تنثر أمامه الزهور, وتحرق له البخور.. ويستحق أن ينعت: أفنى عمره في خدمة الوطن..
بعد أربعمائة شهر أو تزيد, يصارع خلالها الأهوال و الأمواج و الحيتان..
ترسو مراكبه خائرة القوى, مثخنة بالندوب و الجراح.. بعد هذه الدهور
الثقال الطوال, يلملم أوراقه, ليضع نقطة كبيرة في آخر سطر من كتابه
الكبير , و يلوح بيدين ذابلتين, كأنه يستنجد أو يستغيث بالأمير أمير
الشعراء..
بعد هذه الأشهر العجاف, يبدأ المسكين في إجراءات المعاش التقاعدي و تعبئة الاستمارات و البيانات المطلوبة.. ثم يظل عاما كاملا أو يزيد و راتبه يخضع لكافة الاستقطاعات من ضرائب مختلفة و قسط تقاعدي و غير ذلك.. و كأنه مازال يمارس الوظيفة.. هذا في المديرية.. بعدها ينتقل راتبه إلى كشف الراتب بالمحافظة, و يمكث له فيها ما يشاء, ليكمل بياته أو مرحلته الانتقالية.. ليس هذا التأخير بسبب الظروف الآنية, و لكنه ينطبق على دفعات عديدة خلال السنوات الماضية, وكأن ذلك قانون أو جزء من إجراءات التقاعد..
السؤال المهم: أين تذهب تلك الاستقطاعات و الخصومات ؟ فلا يستحقها أحد سوى المعلم نفسه, وإذا كانت تذهب إلى خزينة الدولة, ففي أي بند أو تحت أي مسمى تدخل؟؟؟
يا تربية.. أين تذهب تلك الاستقطاعات و الخصومات؟؟؟ فلا يستحقها أحد سوى المعلم نفسه.. فأعيدوها إليه ؛ لأنها حق من حقوقه.. و الحقوق لا تسقط بالتقادم..