حظر ممارسة السياسة تحييد للاجئين عن التدخل في مسائل مصرية داخلية.
*- شبوة بر – العرب القاهرة
وضعت الحكومة المصرية حاجزا صلبا بين اللاجئين والعمل السياسي، بقطع النظر عن الجنسية وأسباب اللجوء، وحظرت عليهم مباشرة أي نشاط سياسي أو حزبي أو الاشتراك في النقابات أو التأسيس أو الانضمام إلى الأحزاب، وإلا تعرض اللاجئ للترحيل؛ وبذلك تُكرس قاعدة أن طالبي اللجوء “ضيوف لا علاقة لهم بالسياسة”.
جاء ذلك ضمن مواد قانون “لجوء الأجانب” الذي ينظم علاقة الدولة باللاجئين، ووافق عليه مجلس النواب بشكل مبدئي الأحد، في خطوة ستتبعها موافقة برلمانية نهائية قريبا، ثم يرفع القانون إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي لإصدار قرار جمهوري به، وبعد ذلك يُقدّم كل لاجئ أوراقه لتقنين وضعه والحصول على إقامة شرعية، إذا انطبقت عليه الشروط.
واشتمل القانون على محظورات، تضمنت الابتعاد عن السياسة والأحزاب والنقابات بشكل كامل، وعدم القيام بنشاط يمس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة مصر طرف فيها، أو ارتكاب عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو دولة أخرى.
ويلتزم من يكتسب صفة اللاجئ بمحظورات أخرى، أبرزها احترام الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها في مصر، ومراعاة قيم المجتمع واحترام تقاليده. ولا يُقبل طلب لجوئه إذا كان قد ارتكب جريمة ضد السلام أو الإنسانية، أو خالف أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، أو أدرج على قوائم الإرهاب، وحال مخالفته يُبعد خارج البلاد.
وترى دوائر سياسية في القاهرة أن حظر ممارسة اللاجئين أي نشاط سياسي أو حزبي أو نقابي لا يخلو من توصية أمنية حذرت من حتمية تحييد هؤلاء عن الأوضاع داخل مصر، بالتأييد أو المعارضة، لأن انخراطهم في أنشطة سياسية قد يضع الجهاز الأمني في مواجهة مع مهاجرين ليس لديهم ما يخسرونه.
وتعبر تلك الرسالة عن توجه صارم من جانب السلطة يقوم على قاعدة أنها طالما قررت التعاطي مع اللاجئين بتوجهات إنسانية بعيدا عن التوظيف السياسي وتجنب الترحيل، فكل لاجئ يجب أن يتعامل مع بقائه في مصر وفق معايير محددة ويبتعد عن السياسة.
يعيش حولي تسعة ملايين لاجئ بمصر في مناطق مختلفة، وحال وجود كيانات أو تكتلات حزبية أو نقابية خاصة بهم، سيكون من الصعب خلخلتها بلا خسائر مهما كانت الحكومة مدعومة بغطاء شعبي، لذلك فضّلت وضع نصوص قانونية مسبقة كاتفاق يكون الالتزام به أو مخالفته شأنا يخص اللاجئ ويتحمل عواقبه.
ويقضي القانون الجديد بإنشاء “اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين” وتتبع مجلس الوزراء، وهي مسؤولة عن كل ما يخص اللاجئين، وتتولى جمع المعلومات والبيانات الخاصة بهم وتوفيق أوضاع من يستوفي الشروط منهم، ويلتزم كل طالب لجوء سياسي بتسوية أوضاعه خلال عام من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية التي تصدر خلال ستة أشهر من تاريخ الموافقة على القانون.
ويندمج اللاجئون من جنسيات عديدة في المجتمع المصري، وترفض دوائر أمنية أن تُقْدم جماعة الإخوان على استغلال أو استقطاب بعضهم ليكونوا قوة ضغط سياسية على السلطة مع عدم انشغال أغلب المواطنين بالسياسة والاهتمام بظروفهم المعيشية.
ويقول مراقبون إن أجهزة الأمن متخوفة من إمكانية قيام معارضين بدمج لاجئين تحت مظلتهم باعتبارهم يملكون إقامات شرعية مؤقتة أو دائمة، بما يثير منغصات، حينئذ سيكون تدخل الأمن تهمة تلاحق السلطة بأنها تنتهك الحقوق والحريات، ولذلك تضمّن القانون جملة من المحظورات السياسية.
قال أحمد بدوي رئيس المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين إن “الحقوق الاجتماعية للاجئين أهم من السياسية، ومنع طالبي اللجوء من ممارسة السياسة توجه صحيح لمنع إثارة مشكلات قد تورط القاهرة مع الدول التي جاء منها اللاجئون، وكل طالب لجوء جاء للحماية، وعليه احترام القواعد المعمول بها وعدم إدخال البلد المضيف في أزمة.”
وأضاف لـ”العرب” أن “ممارسة بعض اللاجئين للسياسة تثير صراعات بين أبناء مواطني الجنسية الواحدة، وكل منهم له توجه، بالتالي فمنع ممارسة السياسة حماية للجاليات نفسها من دخولها في أزمات تستدعي تدخل الأمن ما يتسبب في صدامات، ويحق للاجئ الاعتراض على تعامل أي مؤسسة معه من غير منطلق سياسي.”
أجهزة الأمن متخوفة من إمكانية قيام معارضين بدمج لاجئين تحت مظلتهم باعتبارهم يملكون إقامات شرعية مؤقتة أو دائمة
ومنحت الحكومة المصرية اللاجئين الكثير من الحقوق الاجتماعية، مقابل الالتزام بالمحظورات السياسية، من بينها الحق في الحصول على وثيقة سفر، وعدم تسليم اللاجئ للدولة التي يحمل جنسيتها أو موطن إقامته المعتاد، وله حرية الاعتقاد الديني وممارسة الشعائر في دور العبادة، وخضوعه في مسائل الأحوال الشخصية لقانون وطنه الأم.
ويتمتع اللاجئ، وفق القانون، بالحقوق ذاتها التي قُرِّرت للأجانب، مثل الملكية الفكرية والتقاضي والإعفاء من الرسوم القضائية والعمل والحصول على الأجر المناسب وممارسة المهن الحرة والعمل لحسابه وتأسيس شركات أو الانضمام إلى شركات قائمة، وحق الطفل اللاجئ في التعليم والاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة في الخارج للاجئين.
وتضمنت الحقوق الاجتماعية الحصول على رعاية صحية مناسبة، والاشتراك في عضوية الجمعيات الأهلية أو مجالس إدارتها، وفقا لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي، وحظر تحميل اللاجئ ضرائب أو رسوما أو أعباء مالية مهما كان مسماها، تختلف عن المقررة على المصريين، وحقه في العودة طواعية في أي وقت إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو موطن إقامته المعتاد.
وأكد وزير الشؤون البرلمانية والسياسية محمود فوزي أن القانون يكفل للاجئين الحقوق المتعارف عليها دوليا، ويحفظ للمجتمع المصري استقراره وأمنه القومي، لذلك تضمنت نصوصه ما يعزز منطق التوازن بين حقوق اللاجئين والتزاماتهم داخل المجتمع، بما لا يخل بمواثيق أو معاهدات وقعت عليها مصر.
وتشير نصوص القانون إلى أن القاهرة لا ترغب في إثارة مشاكل سياسية أو أمنية من بوابة اللاجئين، وبدت مستعدة لأن تقدم إليهم المزيد من الحقوق الاجتماعية شريطة عدم الاقتراب من السياسة، وإذا وقع عكس ذلك فسوف تضطر إلى التعامل معهم وفق ما يمليه الجانب الأمني مهما تعرضت لانتقادات حقوقية، رغم تمسكها بإدارة ملف اللاجئين بطابع إنساني.