تقدميون ولكن باتجاه الهاوية

2020-02-10 19:02

 

النظم السياسية للدول هي مجموعة الأنظمة التي تطبقها دول العالم بناءً على أحكام ونصوص قانونية خاصة بطبيعة حكم كل دولة، والتي تتنوع ما بين حكم جمهوري ونظام ملكي وأميري واتحادي وإمبراطوري وغيرها من أنظمة الحكم.

 

وتعد الثورة الفرنسية، والتي جاءت بالجمهورية في سبتمبر من العام 1792م، من أهم الأحداث في تاريخ البشرية، وعن كونها الثورة التي لم تغير فرنسا فحسب؛ بل غيرت أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، وقبلها كانت الثورة البريطانية، والتي جاءت بنظام الحكم الملكي الدستوري، كما كان نظام الحكم الملكي في هولندا وبلجيكا والسويد وإسبانيا وغيرها.

 

ونستطيع القول بأن معظم الدول الأوروبية وإن توعت أنظمة الحكم فيها إلا أنها لم تقف أمام اسم نظام الحكم ومدلوله السياسي، ولم تعنِ لشعوبهم شيئاً بقدر ما حققت لهم عدالة اجتماعية وانطلاقة نحو البناء والعمل وتنمية الجهد البشري وحماية جميع أعضاء المجتمع والمحافظة عليهم بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم الدينية والقومية والفكرية في ظل قضاء عادل وحرية الرأي تبعاً لضوابط قانونية وبناء مؤسسات ومنظمات تساهم في المحافظة على البيئة وتأمين العيش الكريم في ظل مجتمع نموذجي اقتصادي مزدهر.

 

أما في دولتنا العربية، والتي تعددت فيها أنظمة الحكم ما بين جمهوري وملكي وإمارة، فإن الساسة في النظام الجمهوري وقفوا كثيراً عند اسم النظام ودلالاته؛ حيث انتقل إلى قاموسهم السياسي مصطلح التقدمية والرجعية كدلالات على التطور والتخلف، وراحوا ينسبون لأنفسهم التقدمية وينسبون الرجعية لغيرهم من الأنظمة الأخرى، حتى ترسخت لدينا كلمة رجعي في السياسة بمفهومها السلبي فقط، بأن كل ما هو رجعي هو متخلف، بينما التقدم لا يهبط دفعة واحدة من السماء؛ بل يأتي على أنقاض القديم وكمراحل تراكمية ولا يوجد فصل بينهما، وأن القديم ليس كتلة من السلبية؛ بل وليس كل قديم وماضي رجعي، وإلا اعتبرنا أن كل من يدعو إلى فضائل الماضي وذكرياته وأحداثه كلها أفكار رجعية، كما هو الحال في التقدمية، فإنه ليس كل ما هو متقدم يعد تقدماً وتطوراً، كما هو حال التقدم باتجاه الهاوية إذا ما استخدمنا الكلمة من مفهومها السلبي، أما عن مفهومها الإيجابي فإن التقدم عادة ما يكون باتجاه الرفعة والمجد والنجاح إلا أن المدلول السياسي قد رسخ لدينا معنى الكلمتين من مفهوم الشكل دون الاهتمام بالمضمون لذلك كانوا هؤلاء تقدميين أكثر من التقدمية، كما كان منظرو الاشتراكية في عدد من بلداننا العربية اشتراكيين أكثر من الاشتراكية نفسها، ولقد كان في ذلك حكاية، فقد راح أتباع خصوم الاشتراكية الماركسية في الغرب، وفي خضم التباين الفكري واختلاف منهجية الحياة، بينهما بإطلاق (فكاهة) تتعلق بصديق قابل آخر في دولة عربية اشتراكية، فوجده ممسكها بمظلة فوق رأسه رغم أن الشمس لم تكن ساطعة كما لم تكن هناك أمطار، فلما سأله عن ذلك، أجاب: "ولكنها تمطر الآن في موسكو"، وصحيح أن في هذه الفكاهة الغربية الرأسمالية سخرية لاذعة من بعض حاملي الفكر الاشتراكي، حينها ممكن كان حديثهم عن الاشتراكية يتصف بالعموم بحجة عموم الاشتراكية وكانوا بذلك اشتراكيين أكثر من الاشتراكية ذاتها، والأمر نفسه بالنسبة لبعض القادة السياسيين من الناصريين والقوميين، وهم يتحدثون عن القومية والوحدة العربية وشخص (عبدالناصر) كتعبير عن الفراغ الذي تركه الرجل، وكانوا ناصريين أكثر من الزعيم عبدالناصر نفسه.

 

إن كثيراً من ثوراتنا العربية، والتي جاءت من تحت عباءة الجمهورية بأهداف ومبادئ عند إعلانها باسم الجمهورية والديمقراطية والتنمية، إلا أنه سرعان ما تم الالتفاف عليها وتشويهها وحرفها عن مسارها الحقيقي عندما تولى مقاليد الحكم فيها حكام (تقدميون) ظلمة سوّدوا صفحات شعوبهم بسواد الاستبداد والظلم بعدد سنوات حكمهم الطويلة، لتظل النتيجة الماثلة أمامنا اليوم واقعاً اجتماعياً واقتصادياً مريراً وفقراً مدقعاً دون تنمية اقتصادية تذكر، بينما هناك بلدان عربية حققت تنمية اقتصادية شاملة وصل معه متوسط نصيب دخل الفرد مقارنة بالدخل الوطني وفقاً للمعيار الحقيقي عند الاقتصاديين إلى مؤشرات تدل على رفاهية مواطنيها، وكمثال على ذلك ما هو عليه مسيرة النهضة التي شهدتها سلطنة عمان وإنجازاتها الواضحة للعيان شاهدة على كفاح شعب وحنكة قائد قاد البلاد نحو الرفعة والتقدم، بينما بقي أولئك تقدميين ولكن باتجاه الهاوية، ورحم الله الشاعر العربي نزار قباني حينما قال: "لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية".