إشارة لغوية:
الدلاّل في اللغة: هو من يتوسط بين البائع والمشتري، ويعرض بضائع البائعين على عدة مشترين أمام الملأ على أن يسلمها لمن يعطي أعلى سعر.
وكان صوت الدلاّل يعلو جميع الأصوات في السوق.
(1)
قد يعجب المرء أحياناً للأدوار التي يقبلها البعض الجنوبي على نفسه، ومنها أن يكون مستخدماً في صنعاء بدرجة حكومية أو حزبية، فيكون شريكاً بشكل أو بآخر في الحيف الواقع على أبناء شعبه الجنوبي، ومنها أن يتطوع في تقديم خدماته المدنية والأمنية نكاية بإخوانه القابضين على جمر الحرية والكرامة، ومنها أن يكون دلاّلاً سياسياً في باب اليمن، غير عابئ بما تشكل في الجنوب من إرادة استقلالية، لا تنتظر منه أن يكون عبئاً عليها.
لعل قائلاً يقول: إن ما تسميه استخداماً لأولئك في صنعاء، أو تطوعاً منهم، أو ممارسة لدور الدلاّل السياسي في باب اليمن إنما هو جزء من تعدد الرؤى والتصورات، وجزء من مشهد الاختلاف في الرأي الذي لا يفسد للود قضية.
ولعلّي أقول: إن تعدد الرؤى والتصورات أمر طبيعي، والاختلاف سنة كونية، قبل أن تكون بشرية، لكن عندما يكون الاستخدام والتطوع والدلالة السياسية، من الأعمال التي توظفها صنعاء ضداً على إرادة شعب الجنوب، باتخاذ المستخدمين والمتطوعين والدلالين ذريعة لإطالة أمد الهيمنة والاستقواء، وتضليل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، ومن ثم المساومة على حرية شعب الجنوب، ومواجهته بالمروق على القيم الوطنية والإسلامية والإنسانية، كأنه الصوت النشاز على المسرح السياسي في المنطقة، فذاك أمر آخر مختلف.
(2)
سأدع مجموعة المستخدمين والمتطوعين، وأركز التناول على جماعة الدلالين السياسيين في باب اليمن. أولئك الذين لا يفتأون يقدمون البضاعة ( المشروع ) تلو البضاعة (المشروع )، لعل مشترياً في باب اليمن يرسي عليه مزاد البيع، فيقبض الدلال نسبته أو عمولته، من البائع والمشتري، بحسب أعراف الدلالة في الأسواق.
الخلاف بين صنعاء وعدن بوصفهما عاصمتين للدولتين اللتين أعلن نظاماهما وحدة اندماجية في مايو 1990م، ليس قابلاً للتوفيق بينهما بأسلوب الدلالة السياسية التي يمارسها بعض الجنوبيين، لأن جوهرها هو انقلاب صنعاء على عدن بالحرب والفتوى، ثم احتلالها واستباحتها بكل ما تعنيه الكلمة من معان ودلالات. لكن المستخدمين والمتطوعين الذين عندما يتطور بعضهم يصبح دلالاً سياسياً، لا يرى ما يراه شعبهم الجنوبي، فيتعامل مع الأحداث ببرود قاتل لا يحسد عليه.
(3)
أحد أولئك الدلالين السياسيين أكد بثقة في لقاء صنعاني متلفز، أن (مشروعه) الذي يروج له ليس مقبولاً في الساحات الجنوبية، ولكنه، كما قال بعظمة لسانه، يريد خدمة أهل صنعاء، لعل وعسى أن ينال عمولة ( تنفيق ) تلك البضاعة.
وهنا لعل لنا أن نتساءل: ماذا لو أن أخانا الدلال السياسي انضم إلى قوى الحراك السلمي، ووفر طاقاته في رسم المشاريع وإعدادها لرفد شعبه الجنوبي بالرؤى والتصورات التي تقرب لحظة الخلاص، بدلاً من استفراغ طاقته في تقديم خدمات الدلالة للمتنفذين، والمستحوذين، والمستبيحين للجنوب أرضاً وإنساناً، وهو يعلم علم اليقين، كما يكرر دائماً، أنهم نهّابون، مستبيحون، مستحوذين، بل محتلون أيضاً؟!.
لعل قائلاً يقول – وقد قال بعضهم: إن ما تسميه دلالة سياسية إن هو إلا ذكاء سياسي، مبني على خبرة، تدل على أن أمثاله قادرون على تقديم الحلول للمشكلات والمخارج للأزمات.
ولعلّي أقول: إن في الجنوب ثورة سلمية تحررية، وليست أزمة نظام سياسي، وليس من الذكاء أن يدير المرء ظهره لشعبه، ويتجه بمشاريع تنتقص من إرادته شعبه، صوب باب اليمن، منتظراً أن يلقى المشتري الذي يدفع أكثر.
(4)
لم أحدد دلاّلاً سياسياً واحداً، لأن ليس من غايات هذا المقال شخصنة الموضوع، أو النيل من هذا أو ذاك، ولأن المتابع يميز بين من هو دلال سياسي، ومن هو حامل لقضية شعبه، ويسعى إلى الخلاص.
لكنني أود الإشارة هنا فقط إلى خطورة الدور الذي يمارسه (الدلل) السياسيون، في عملية تعويق قضية شعبهم الجنوبي، أو التشويش على الرأي العام الجنوبي، أو إلهاء بعضه بمشاريع يعلم مروجوها أنها تولد ميتة أصلاً، والأدهى أنهم يتطوعون بمنح صنعاء أوراقاً بديلة، كلما احترقت ورقة من أوراق لعبهم السياسي. فهل يدرك أولئك (الدلل) شناعة دورهم وخسّته، فيكفوا عنه، أو يظنون أن ما يقومون به شطارة سياسية، يكسبون بها رضا البائع والمشتري، ولسان حالهم يقول: " بين البائع والمشتري يفتح الله"، حيث لا صحوة لضمير، ولا تحديد للون الأرض التي يقفون عليها، إذ لا يهمهم وطن، ولا قضية، ولا مستقبل، سوى مستقبل ما ينالونه من ثمن بخس يسمى في معجم الأسواق: حق الدلالة!.