لم يعد للحديث عن شيء اسمه "وحدة" معنى، لكنه لدى من يقيمون في مربعات اللامعنى يعني ويعني ويعني.
من كانت الوحدة في أدنى جزئياتها وأقصاها حلماً من أحلامهم المقدسة ما عادوا أسرى أي خرافة أو بلاهة أو مغامرة أو حماقة سياسية.
وحدة بلا أفق إنساني، كانت تستمد شرعيتها من حق تاريخي مزعوم، مع الأرض، ثم الآن من حق إلهي في الحكم، وحدة بلا معنى، ولا تعني سوى عبدة الجغرافيا والتاريخ الجناة على كل ما هو إنساني، بالنفوذ والثروة.
الوحدة (أو الاتحادية النسخة الملفقة منها) صيغة إدارة المشترك بين أطرافها، لكنها في ذهنية قارة في قرون غابرة، لا تعني سوى الاستحواذ والاستقواء والغلبة بالقوة أو بالكثرة أو بالدجل السياسي والتاريخي والديني. ومما يضحك الأبالسة أن هناك من يصدق فرية الشطرين (أو الغضرين بالمصطلح السمكي)، كأن عودة الوعي ما زالت مرجأة حتى كوارث أخرى منتظرة!
قد أفهم نزعة التشبث (بالكلام) عن الوحدة ولو عاطفياً لدى مؤدلجي اليمن السياسي وأتباعهم، باعتبارها منظومة مغانم، ولا أقول مصالح، لكن ما لا أفهمه هو (دعممة) بعض مواطنينا، رغم أن مصالحهم الوطنية هي منظومة مغانم أولئك المؤدلجين.
دع ذا عدمتك وأسمعها مجلجلةً ...
خارج مفاهيم المدنية والمواطنة والعدالة الاجتماعية بدلالاتها العميقة، وليس في سياق مفاهيم اللامعنى لا يمكن الحديث عن مستقبل، لا لهؤلاء ولا لأولئك. إن هي إلا حروب تصغر أو تكبر أو تتناسل، أو تؤجل، ما دامت فكرة الغلبة والاستحواذ هي المهيمنة. وهذا لن يتأتى إلا بأن تنظم قوى المدنية السياسية والاجتماعية والمستقبل نفسها، لمواجهة إدارة الحاضر بذهنيات الماضي التي شبعت غياباً في العالم، وما زالت فاغرة أفواهها في كل درب ههنا.
سعيد الجريري