لجرح أبين الم آخر.. فلا تسلني عن جرحها, بل سلني عن من جرحها.. سلني عن من أوجعها.. عن من أبكاها؟ سلني عن ذلك المعتوه الذي مزقها.؟ عن ذلك المتعجرف الذي شتتها.. سلني عن من أحالها أطلال, عن من دمرها..
سلني عن نسجيها كيف تمزق؟ سلني عن جمعها كيف تفرق؟ سلني عن لملمتها كيف تناثرت؟ عن ذلك الدمع الذي أنسل من أحداقها, وذلك البؤس الذي أرتسم على محياها, وذلك الخراب الذي كساها..
لمعاناة أبين أنين آخر.. ولصراخها صدىً آخر يتردد في أوديتها وجبالها وسهولها, وقبل هذا وذاك في دواخل أهلها البسطاء, يعصف بهم ويمزقهم ويفتت بقايا الأمل الذي تنسجه أشعة شمس الضحى كلما تراقصت على أمواج البحر المتنهد..
منذ سنوات وأبين تكتسي الوجع, وترتسم الألم, وتتجرع الحزن كؤوس, منذ سنوات وأبين جدب (بوَر) قحط, قتل المتناحرون فيها كل جميل, ليتركوها خلفهم مضرجة بدماء (الحسرة), تلفظ أنفاس الموت الأخيرة, وتستجدي الحياة من (أصم) أبكم لايعي ولايفهم..
منذ سنوات وهي مسرح (للدم), وملعب للأحداث, بل هي (كبش) الفداء, والكل فاغراً (فاه) ينظر إليها بصمت (أوجعنا) , وكأني بهم (يتلذذون) ويرقصون طرباً على أنين أهلها,وينتشون (فرحا) على صراخ أطفالها..
وهاهم اليوم يصرفون (صك) العمالة والخيانة لأهلها, هاهم اليوم (يقدحون) في رجالها وفي أبطالها, فبربكم كيف (تجرأتم) عليها, ألم تسألوا أنفسكم من أوجعها؟ من تنكر لها؟ من أبكاها؟ من تخلى عنها؟
بربكم من زرع البؤس في شوارعها وأزقتها ومزارعها؟ أبين تحتسي (الوجع) كل مساء وترتشفه مع نسمات كل صباح, بل وتتدثر بصمت وكبرياء, أبين لم تخن, ولن تخون, أبين تبحث عن من يضمد جراحها؟ عن من يخفف المها؟
فلا تسلني كيف تحولت أبين, وسلني عن من حولها؟ عن تلك العصا (السحرية) التي ضُربت بها, فأنبجس منها هذا التحول..وسلني عن ذلك (العاق) الذي تبرأ منها ؟؟