عامان ونيف منذ أن تحررت ثغرنا الباسم وأخواتها من المد الفارسي وأذناب إيران، ونسجت حلم نصرها من خيوط شمس الضحى وطرزته بدماء الشرفاء من أبناء هذا الوطن الذين قالوا كلمة الفصل وكانوا دورعاً بشرية وحصناً حصين لهذه المدينة ولكل محافظات الجنوب..
ولانها عدن..نكتبها شعراً.. نغنيها طرباً.. نخطها نثراً .. لانها قبلة العاشقين، ومعبد المحبين، وترنيمة المبدعين، لانها من يختال لها الموج ضاحكاً، ويرتمي القمراً باسماً على شطآنها، لانها النبض والقلب،ولانها السلام والوئام، ولانها الحب الصادق العذري..
لأنها الحضارة والثقافة، لانها الطُهر والنقاء، لانها الإبداع والألق، لانها التعايش والمحبة والنسيج الإجتماعي الذي لاتنفك عراه أو تتلاشى أوصاله، هب الكل يهللون، يكبرون، يهتفون، يسابقون أرواحهم نحو الذود عنها، يحملون أكفانهم على أكفهم، يبتسمون للموت ويطلبونه..
عدن تلك الحكاية الأبدية التي تأبى أن تنتهي أو تتوقف، وتأبى أن تغدو في خبر (كان)، وتأبى أن تغدو ماض، هي تتجدد، هي عمراً جديد لكل طفل يولد في منازلها، هي أملاً يتراء في أفق كل عاشق أحبها، هي نسائم صباحاً شتوياً رائعة، هي مساءات صيفاً هادئة، هي قمر المحبين وهمسات العاشقين..
اليوم يحاولون (كسرها)، يحاولون (تدميرها) يحاولون طمس هويتها ومعالمها وقتل كل جميل فيها، وتقف هي شامخة قوية كجبال شمسان وصيرة لا تنحني (أبداً)، لاتتزعزع، لاتلين لم تطأطئ رأسها لأحد،ولم تسبل دمعات ألمها ووجعها..
أطفالها يصرخون، نساؤها تتوجع،شبابها يتأفقون،لكنها حضنهم الدافئ، ونسائمهم الباردة،لم تقابل جحود شرعية الهاربون بالصد،ولم تجابه خساسة المتمصلحون بالكيد،ولم تتنكر لتلك الدماء الطاهرة الزكية..
هي كما عرفتها، فاتنة رغم جراحها،ساحرة رغم وجعها، باسمة رغم حزنها، بتلك البساطة والتلقائية يعاملك أهلها، وبذلك الطهر والنقاء يعانقك أطفالها، وبتلك الإبتسامة تستقبلك شواطئها..
عدن.. لن تموت لمجرد قطع الكهرباء، لن تنكسر لمجرد تردي الخدمات، لن تنتهي لمجرد جحود (المتشرعنين)، لن تنصاع لخونة يحاولون (لي) ذراع أهلها،تلك الشوارع الطافحة، تلك الخدمات المتوقفة،تلك المشاريع المتعثرة،تلك الوعود الزائفة، وصمة عار في جباهكم أنتم يا(أصنام)، سطور سوداء في تاريخكم الملطخ بالدماء..
لانها السماحة خاصمتموها، لانها البراءة غدرتم بها، لانها النقاء أردتم تلويثها، لانها الحضارة والثقافة تجاهلتموها، لانها الوفاء غرزتم خناجركم في صدرها، لانها الأمل جلدتموها بسياط الألم، ولكن !! رغم هذا ستظل عدن…
عدن…أبين قلبها، لحج خاصرتها، الضالع نبضها، حضرموت دمها، المهرة شريانها، سقطرى عبيرها، ولهذا لن تموت أو تنحني، ولن يركع أهلها، ورغم كل شيء ستظل بذات شموخها وكبريائها وعزتها وعنفوانها..