معاول هدم النظام الاستبدادي تبدأ عملها في هدم مراكز الثقافة والفكر ومنابر التنوير، في تغييب العقل والتفكير ورؤية الصواب، ليهيئ البيئة المناسبة لتفشي الجهل والغباء والعبط، ليسهل إدارة المجتمع لخدمة ذلك الاستبداد السياسي والديني معا.. واقع اليوم هو نتائج سياسة الأمس، دور الثقافة في ترسيخ وعي اجتماعي لمفهوم التحرر والاستقلال الذاتي والعام، وعي اجتماعي قادر على فرض ما يريد على الأرض، وعي مجتمع من الصعب أن يغرر به أو يزج به في أتون فتن ومناكفات ومهاترات تعيق أهدافه ومصالحه وتخدم الاستبداد.
قلنا ولازلنا نقول لا للتكفير ولا للاتهام جزافا، لكن يبدو أن الفتنة تشق طريقها لمزيد من الشروخ والتصدعات، في صلاة الجمعة قال الخطيب الإلحاد يستفحل بين شباب عدن، عبارة صدمتني، ولولا أن من لغا فلا جمعة له لصحت بأعلى صوتي، ما هي مستنداتك على ما تقول، ألا ترى المسجد يكتظ بالشباب، بما يعني أن الظاهرة أن شبابنا اليوم أكثر وعيا وقلبه عامر بالإيمان.
وبعد إتمام الصلاة يستقبلنا بعض الصبية بمنشورات أمام باب المسجد فيها من التحريم المؤدي للتكفير، والناس تتمتم وتعلق من هؤلاء، وهل تعلم السلطة المحلية وإدارة الأوقاف بمثل هكذا منشورات؟!، وهل هي جس نبض الجهات المسؤولة.. إذا ترك الحبل على الغارب وتستفحل الظاهرة، تبدأ تنهل علينا الفتاوى والتجريم والحلال والحرام ثم التكفير.. فوضى عارمة دون قيود قانونية وشرعية.
هذه هي الفتنة التي تبرر وسيلة القتل، تخاطب العقول المتشددة وتعطي لها مبرر السلوك الضال والظلامي، ليقول لهم تحركوا بحرية ومارسوا هويتكم في إرهاب الناس، تهمة نعرف جيدا الهدف منها وهو تخويف الناس من التفكير بالدولة المدنية الضامنة للحريات والمواطنة بالمراكز الثقافية التي يؤسسها بعض الشباب لتحرير العقول والنفوس من الكبت الديني والطائفي والمناطقي، لينطلقون لرحاب أوسع في دولة تتقبل كل الأفكار والرؤى، وتحفظ القيم والمبادئ والأخلاقيات الدينية والإنسانية معا.
لن ينجح الانتهازيون لا باسم الوطنية ولا باسم الدين في سرقة أحلامنا، وتبديد طموحاتنا بمستقبل أفضل، أو يرهبوننا باسم الدين كأوصياء عليه، وينشرون الفساد الفكري المتطرف والغلو كبداية الإرهاب.
أرسى الإسلام العديد من القواعد والأسس التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع، ومن أهم هذه الأسس العدالة الاجتماعية بما تحمله من معانٍ وقيم رفيعة تساعد على القيام بمجتمع يتمتع بالسلام والإخاء والمحبة والرخاء.. والعدالة في الإسلام لا تطبق فقط على المسلمين، إنما جعلت لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن معتقداتهم، والحمد لله على نعمة الإسلام في مدينتي عدن ووطني اليمن.
والدولة المدنية هي دولة النظام والقانون أساسها العدالة الاجتماعية، مخطئ من يعتقد أنها ترفض الإسلام، بل ترسخ قيمه الدينية والإنسانية على الواقع، تؤدي واجبا وطنيا وسياسيا وتواكب تطورات العصر، دولة النظام والقانون الذي ينضم إيقاع الحياة ويحدد الحلال والحرام والحق والباطل، والمؤسسات هي المسئولة عن تنفيذ هذا القانون.. القضاء هو الحاكم في أمور الدنيا، والأوقاف في أمور الدين، جهة مسئولة بعيدا عن الاجتهادات الفردية التي فيها الخطأ محتمل بل يفوق الصواب، يدخل الناس في فوضى عارمة.
هذا هو العبث القاتل، والخراب الذي لا يحترم عقول الناس.. وهذا ما يجعل التدين سلاحاً في يد طوائف ومكونات فاسدة، بدلا من أن يلعب دوره الحقيقي في الدفاع عن المظلومين والمحرومين وإشاعة العدالة الاجتماعية والمساواة والحب والتسامح، يمارس التضليل والتغرير والزج في أتون صراع تناحري أبدي، مكفر ومتهم للآخر، صراع تتفق فيه الديكتاتورية الدينية والسياسية، لتبرر لقتل الآخر والجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب.
لا خوف من هؤلاء، هم بشر، ما دمت مع الله كما يريد والإيمان يعمر قلبك وروحك، السكوت عنهم جريمة بحق الإسلام والوطن لا يقبله غيور على إسلامه ووطنه.. والله من وراء القصد.
*- الأيام