يعيش العالم الإسلامي دائرة مغلقة من صراع الدم والموت عبر تاريخه القديم والحديث محكومة بأغلال فقه مغلوط أدعى تمثيل الإسلام الذي هو رحمة وحياة وسعادة للناس كل الناس، ولا يُمثله الفقه المغلوط للحركات الإسلامية الذي قادها وقاد مجتمعاتها لصراع الدم والموت عن طريق أخطاء قاتلة يمكن إيجاز أهمها بما يلي:
أولا: قدمت نفسها أنها الإسلام والمفروض أن تقدم نفسها من خلال فهمها للإسلام وليس الإسلام، وهذا التقديم الخاطيئ هو خطأ منهجي قاتل نتج عنه، إحتكار الإسلام الذي هو للناس كافة وللعالمين ولكل من في السموات والأرض واحتكار تمثيله لجماعة أو عنصر مستحيل.
وكنتيجة حتمية لهذا الفقه المغلوط فأي مخالفة لهذه الجماعة تعتبرها مخالفة للإسلام وبالتالي هي مخالفة لله ولرسوله وهذا في مفهومهم كفر، وبالتالي تم تكفير المجتمعات والدول من هذه القاعدة الخاطيئة، وقادها الفقه المغلوط إلى رفع شعارات عاطفية مثل (الإسلام هو الحل) واعتبرت فهمها هي هو الحل بينما الإسلام بصلاحيته لكل زمان ومكان وارتباطه بالمعرفة وتطورها واختلاف أدواتها يستوعب تطور الإنسانية عبر الزمن كله إلى أن تقوم الساعة وتغير المعرفة عبر أدواتها المتغيرة بمختلف الأزمنة، كون الإسلام من الله سبحانه مطلق المعرفة والذي لا يحده زمان ولا مكان، ويقدم حلوله وفق هذه الرؤية الإنسانية الشاملة التي لا يمكن احتكارها من أي جماعة. ثانيا: انطلاقها في تقديم الإسلام من فهمها لما قدمه رجال الإسلام العظماء في القرن الأول والثاني الهجري وما قدموه من فقه لمعالجة الإشكاليات التي واجهتهم في مختلف نواحي الحياة وفقا لزمانهم ومكانهم ومعارفهم وأدواتها، لتعالج بتلك المفاهيم الفقهية زمان ومعارف وأدوات معرفية وإشكاليات مختلفة بالمطلق عن واقعنا وزماننا ومشاكله، ونتج عن فقههم المغلوط إيقاف التطور الزمني والمعرفي عند القرن الأول والثاني الهجري ملغين بذلك أربعة قرون من التطور والتغير في المفاهيم والمعارف والأدوات والإشكاليات، مما جعل هذه الجماعات تعيش في عزلة عن الواقع ومتغيراته وعن العالم وتريد إرغام مجتمعاتها على عيش عزلة تلك اللحظة الزمنية.
ثالثا: وكنتيجة حتمية لما سبق تعاملت مع فقه تلك المرحلة - وهنا يجب التفريق بوضوح بأن الفقه هو فهم بشري للدين وليس الدين- كأنه أحكام قطعية لعصرنا الذي نعيشه وإشكالياته، مما جعلها تعيش حالة إغتراب عن محيطها المجتمعي والعالمي، وأرادت إقحام مجتمعاتها والعالم في دائرة إغترابها بالقوة والبطش.
هذه المفاهيم المغلوطة قادت هذه الحركات الى صراع العنف مع الأخر أياً كان سواء محيطها المجتمعي أو العالم، معتبرة نفسها الممثل الأوحد للإسلام وبالتالي فهي تُمَثّل الله ورسوله عليه الصلاة والسلام محتكرة الله والرسول والدين في جماعتها وسلوكها ومنهجها وفهمها.
رابعاً: التوظيف الإنتقائي لتاريخ النبوة والرسالة والسنة المطهرة لدعم تمثيلهم للإسلام مما ينتج عنه تقديم الإسلام بصورة لا تستوعب العصر ومشكلاته بل يجعله في تصادم الواقع ومشاكله.
خامساً: هذا الفهم والتقديم يجعل أي فشل لها كأنه فشل للإسلام ويتعمق هذا الواقع كلما يعزون أي نجاح إن تحقق للإسلام وفِي المقابل يُعزي معارضيهم أي فشل لهم للإسلام والإسلام ليس لا علاقة بذلك.
سادساً: تحويل التراث المغلوط كالإمامة والخلافة والحاكمية عند هذه الحركات الى سيف مسلط يحصد الرقاب ويسفك الدماء ويهدم الدولة الوطنية، دون سند من صحيح دين أو واقع.
وكنتيجة حتمية لكل تلك المقدمات الخاطئة ليس أمام هذه الحركات من سبيل لفرض ما تؤمن به غير القوة والعنف والإرهاب.
وللخروج من هذه الدائرة المغلقة بأغلال المفاهيم المغلوطة للإسلام ودائرة الدم والموت، يجب كسر أغلال الفقه المغلوط وتقديم دين الإسلام الرحمة والعالمية والخاتمية والمصداقية والمدنية كما أراده الله وبلغه رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام والذي كان أول مؤسس للمدنية بمفهومها الجامع للناس بمختلف دياناتهم وأعراقهم وألوانهم وتسمية يثرِب بالمدينة وميثاق المدينة كانا مدماك هذا التأسيس، وهذا يتطلب من الجميع قراءة معاصرة للإسلام وفق زماننا وإشكالياته ومعارفه وأدواتها ، وهذه هي طريق الخروج وهي مهمة الجميع.