تجمعنا روابط وطن

2015-02-11 16:19

 

إن التواصل مع الآخر المختلف لغة ليست صعبة، هو أسهل، إذا ما توفرت القناعة وحسن النوايا، إذا حققت المعدل الأدنى من صفاء الذات عبر تمرير الفكر والرؤى والثقافة التي تمثلك، والتي تعبر بها عن ذاتك، ومكنوناتها بالهدوء النفسي، والرضا لتنقل صورة طيبة ومثالية عن معدنك ومعدن المجتمع الذي تمثله في إطار القيم والمبادئ الإنسانية.

 

أن تكون الأفضل ولا تقبل أن تكون نسخة ممن تمقته أو تعاني منه، ومن يحترم ذاته لا يهبط بها لوحل القذارة، بل يسمو فوق الصغائر والجراح، ويكون دائما هو المبادر للتسامح والمتمسك بالقيم والمبادئ الإنسانية النبيلة، لا يفرط بها مهما كانت الظروف، وسلوكك وصدقك وإخلاصك، هي بوابة القبول الاجتماعي والتأثير على الآخرين لتنقل صورة واضحة عن معاناتك وحقيقتها وعدالتها.

 

مصيبتنا أننا نتعرض للظلم والانتهاك، ونتربص الفرص لنمارسه على الآخرين، ننسى مرارته ونذيقها الآخر، نشاهد مناظر بشعة وظلما وجورا ونصمت، بل بعضهم يقول لا يعنينا، فإذا شب حريق في بيت جارك وهو لا يعنيك، تصور ما هو مصيرك ومصير جيرانك.

 

تلك العقلية نفسها كانت هنا أو كانت هناك متحجرة متصلبة حتى وإن كانت متسلحة بالعلم والمعرفة شكلا، لكن يظل المضمون خاليا من الجمال المعرفي والفكر النير، فما الفائدة من علم لا يطهر النفس وينير الفكر وينعكس في السلوك والشخصية.

 

عندما يكون أمامك قضية وطن ومصيره وأنت لا تقدم غير (المناجمة) والمماحكة وكل ما تطرح من مشاريع وأفكار ورؤى من طرف أو أطراف لا تفكر بها بمنطق المصلحة، بل فكرك يذهب بعيدا عن مصدرها، وتتفحص أصله وفصله، وتشن هجماتك غير البريئة لمجرد أنه اختلف عنك في اللون أو العرق أو الوجهة، منطلقا من أن الوطن وطنك وحدك، وأن الآخرين دخلاء، بنظرة مناطقية وطائفية مقيتة قذرة، لهذا الوطن يتهالك ويظل رابضا في وحل الفتن والتمزق والتشرذم، لا يمكن أن ينهض أو يتحرر حتى وإن خدمته الظروف أو سهلت في لحظة، لأنك أنت لم تتحرر بعد من عبودية الوهم المناطقي والطائفي والمذهبي المقيت.

 

وطننا هو ضحية من ضحايانا قبل أن نكون نحن ضحية لغيرنا، نستطيع أن نصنع وطنا يستوعبنا، ونعيش ونتعايش فيه معا وفق المواطنة المتساوية كسلوك وثقافة وفكر لا شعارات وإعلانات نرفعها، حينها ننتصر للوطن وذاتنا معا، لكن عندما نفكر بالنصر الذاتي دون نصر للآخر والوطن معا نكون ضحايا الفشل الكلي للجميع، وهذا سبب فشلنا المتأصل في الجنوب قبل الشمال.

 

أشاهد وأقرأ خزعبلات وتفاهات في برامج ومقالات نقد غير بناء لشخصيات تناضل من أجل وطن وتتعرض للتهديد والتشويه بسبب مواقفها الصلبة، وهناك منا وفينا من لا يعجبه العجب، ويزيد من جلدهم وتشويه مواقفهم خادما أسياده، مرتكزا على الطائفية والمذهبية، ومحرضا على القتل والكراهية، والله إنها جرائم يندى لها الجبين، وتخلق فتنا وتمزقا اجتماعيا لعينا، والضحية وطن وشعب وقضية، إنها عقول مشبعة بالخبث والكراهية، كيف صنعت، وكيف لهذه النفوس صبرت وتحملت هذه الأفكار التي كل يوم يمر تدمر ما تبقى من وطن وتسفك مزيدا من الدماء، وتنتهك الكرامة والعزة، وتذل النفوس لتروي نفسها المريضة الحاقدة؟.

 

ارحموا وطنا وشعبا يئن، إن معكم خير فقدموه أو اصمتوا لنتجنب مزيدا من الهراء. هذه السموم موجودة في وطني شماله وجنوبه، ولهذا نحن معاقون متذمرون ومنتهكون ومظلومون ليس من غيرنا، بل منا، فهل تعقلون؟.

* الأيام