قتلوه بجهلهم

2015-02-11 16:15

 

“قتلوه بجهلهم”، هذا ما قاله سيد الأنام صلى الله عليه وسلم عن بعض من سادة البشر بعد الأنبياء والرسل (الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين)، حينما أفتى البعض منهم في مسألة لم يكونوا بها عالمين، لهذا قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: “قتلوه بجهلهم”، وقد سألهم صحابي عن الوضوء بالماء أو التيمم، وهو مصاب بشج في رأسه، وكان حينها محموما، كما وصل إلينا في كتب الفقه والأثر.

 

وكما نعلم فإن القتل إما مادي أو معنوي، فالقتل المادي له أنواع، منه قتل لممارسة الهواية مثل الصيد في البراري والبحار، وقتل دفاع عن النفس والبشرية، وقتل البشر وهو أوسخها وأحقرها، ومع ذلك فهو محدود الأثر، أما القتل المعنوي فمن المحتمل أن يكون أدهى وأمر بالتأثير من الأول، وهذا أكيد حيث سيكون مردوده كبيرا على معظم مجتمع البشر، وخاصة إن وثقوا بصاحب الفتوى أو من يظن نفسه بأنه عاقل وأعلم، ومع أن الإمام مالك ـ رحمة الله عليه ـ قال: “من قال لا أعلم فقد أفتى”، فأين نحن إذاً من جهلاء مجتمع البشر؟، وما يمارس هذا النوع من القتل المعنوي إلا بشر جاهل في محاريب الأرض يدور وينتشر كانتشار الشرر في يوم ريح عاصف، وهم بذلك يعيثون في الأرض فسادا، حيث إن ضررهم يعم كل المجتمع.

 

وهذا للأسف ما نراه هذه الأيام، حيث نرى بعض الناس يتكلمون بكل شيء بعلم أو بجهل عالم، أي فقيه بالجهل وعالم، وكأن الأمر بسيط وعادي ولا يضر أحدا بمثل هذه التهريفات والهرطقات تطبيقا للمثل القائل “يهرف بما لا يعرف”، ولا يتورع من ذلك مطلقا، وكأن البشر سيتضررون إذا لم يتكلم، والعكس مؤكدا هو الصحيح، حيث سيرتاح هو بسكوته وسيرتاح الآخرون من ضرره بجهله، ولا أدري ما المانع أن يدرك ويعي قدراته المادية والعقلية ويتكلم حين يكون الكلام أفيد له وللآخرين، والعكس صحيح، أي أن الصمت أكيد أفضل إذا كان صمته سيكون ذا جدوى له وللآخرين.

 

وبعد أن أوضحنا ما أوضحنا من نوعي القتل، أليس القتل المادي أهون للبشرية وأفيد كونه محدود الأثر مقارنة بالقتل المعنوي، حيث سيكون مردوده وضرره لكل المجتمع والبشر كون القتل فيه يكون عادة من جاهل أو جهلاء القوم، وأستشهد في آخر كلامي بمعنى المثل الدارج العدني: “أيش فيها ما أعرفش؟”.. والسلام على من وعى وصمت.

* الأيام