استقلال الجنوب

2014-12-08 11:46

 

ستظل قضية انفكاك الجنوب عن الشمال حلم يراود شعب الجنوب، ليس لجيل الحاضر فحسب، ولكن لجيل المستقبل كذلك، لأن هذا الحلم.. لا يمكن له أن يتحقق على المدى القريب في أرض الواقع، إلا متى ما قرر واقتنع بذلك المحيطان الإقليمي والدولي، وأصدقاء اليمن وأعداؤها على حد سواء، فالجنوب لن ينفك عن الشمال في لحظات عاطفية، مهما كان اتساع ساحات الاعتصامات، ومهما ازداد حجم المشاركين فيها، أو حتى إذا ذهب الجنوبيون إلى (الكفاح المسلح) - بحسب تعبير الرئيس العطاس - فالجنوب سيظل في (حظيرة الوحدة) مع الشمال، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، فما هو الحل إذن..؟!.

 

الحل بحسب متغيرات العصر ومذاهب السياسة - يبدأ من ضرورة وأهمية أن يستوعب الجنوبيون أنهم لا يمكن أن يعملوا شيئاً بمفردهم أو بانعزالية، دون مؤازرة وتأييد ودعم وقناعة دول الإقليم المجاور، وتعاطف ورضى المجتمع الدولي، وخاصة الدول المتسيدة على ناصية مجلس الأمن الدولي والمؤثرة في صناعة قراراته، كما عليهم أن يدركوا أن القضية الجنوبية قضية معقدة للغاية، فلا مجال فيها للتصرفات غير المسؤولة أو النزعات الحماسية، كما أنها محاطة بتشابكات وتداخلات وتجاذبات كثيرة، إذ أصبحت مصالح الدول الكبرى الحاضرة المؤثرة في القرار الدولي تتحكم فيها - أي أن الأمر ليس بأيدي الجنوبيين لوحدهم، ولكنه بأيدي غيرهم كذلك - ولا أدري إن كانت المكونات الجنوبية التي تعمل في الميدان وفي الساحات تدرك هذه الحقائق، أم إنها مازالت تعيش في أتون (النرجسية السياسية)، وأسيرة أحلام اليقظة، التي تجعل صاحبها يعيش في الأوهام، كذاك الذي يظن السراب ماء.. أو مثل الذي يبحث عن الماء في الماء، فينتهي جهده إلى لاشيء..!.

 

نحن الآن في الألفية الثالثة، ومر عقدان ونصف منذ أن توحد الجنوب مع الشمال، وعقدان منذ أن غزا الشمال الجنوب - فيما يعرف بحرب صيف 1994م الظالمة - فمن المؤسف والمؤلم أن يحتفل الجنوبيون بذكرى عيد الاستقلال الأول للجنوب، الذي تحقق في 30 نوفمبر 1967م، وهم مايزالون بحاجة إلى (استقلال ثان) من (الأخوة الشماليين)، الذين طالت زيارتهم عندنا - وتجاوزت “الأيام الثلاثة” المعروفة في الشرع، فهم مازالوا متمسكين بشعار (الوحدة أو الموت) وأسطوانة (الفرع عاد إلى الأصل).. القضية تبدو صعبة كثيراً، وتحتاج إلى صبر وحكمة سياسية ثاقبة، وإلى طول بال وعقول حية، تستطيع أن تصل إلى أهدافها بأقل التكاليف، ولكن ليس عبر الشعارات الحماسية المدغدغة للعواطف قبل الجوارح، أو الاندفاعات غير المدروسة..!.

 

نحن نتألم كثيراً حين نرى تصرفات واندفاعات تسيء إلى القضية الجنوبية - بقصد أو بغير قصد - كما إننا نحزن حد البكاء والدموع حينما نرى القيادات الجنوبية والمكونات في الداخل مازالت في حالة من الافتراق والتباعد وعدم الثقة، وهذا شيء مؤسف للغاية، ويضر بالقضية الجنوبية إيما إضرار، فكيف سيحصل الجنوب إذن على استقلالة الثاني..؟ على الجنوبيين وحدهم أن يجيبوا عن هذا السؤال..!.

* الأيام