لـنطـهـر أنـفـسنـا مــن الـكـراهـيـة

2014-10-25 18:02

 

يقال إن الحب اختيار والكراهية اختيار أيضا، لكن كليهما شعور ينبعث من ذات النفس البشرية، فأحدهما يدعو للتعاطف والانجذاب يبرهن عن صحة وسلامة النفس التي تصدره، والآخر صفته الاشمئزاز والنفور يبرهن على خبث ومرض النفس التي يخرج منها، ومن منا لم يكره، لكن أن تتحول الكراهية إلى شعور عام تجاه جماهير تشاركنا الأرض والهواء، ولا نرغب في العيش معا، وأن تصبح الكراهية ثقافة وتتصدر المشهد، فهي علامة من علامات البؤس الإنساني بكل تجلياته.

 

الكراهية صناعة، والتحريض على الكراهية جريمة بحق الإنسانية. فإطلاق الأحكام المسبقة أو الأوصاف المهينة هو تعصب يراد به زرع الكراهية وصناعتها في فئة ضد فئة، وهي نوع من أنواع العنصرية والتي من الممكن أن تتسبب في تدمير كل البشر وخلخلة البنية الاجتماعية وخلق واقع مسمم بمزيد من الأمراض الفتاكة.

 

مرت علينا الذكرى الـ(51) لثورتنا المجيدة 14 أكتوبر التي حررت الجنوب اليمني من الاستعمار البغيض، والتي امتزجت فيها الدماء اليمنية وتلاحمت الصفوف الثورية لتشكل وحدة واحدة ومصيرا واحدا في الثورتين سبتمبر وأكتوبر، لا أطلب من شباب اليوم غير أن يقرؤوا تاريخ الحركة الوطنية والنقابية جيدا ليعرفوا وحدة الروح النضالية المتأصلة في وجدان أوائل الثوار الذين أشعلوا الشرارة الأولى للثورة، ولم يعرف الشعب اليمني الكراهية سوى بعد زمن بعد ثورتيه في الشمال أو الجنوب، وهو ما يبرهن أن ثقافة الكراهية هي صناعة الأنظمة، ونتاج لسياسة قذرة وممارسات طائشة خلقت غبنا وقهرا ولد هذه الكراهية.

 

بعد أكثر من خمسين عاما من النظام الشمولي المستبد المتأزم منتج الصراعات والفتن هل نتجاوز الكراهية لننتقل إلى واقع طاهر يشع فيه نور المحبة فتكون نبراسا يضيء حياتنا بدلا من الكراهية والأحقاد والضغائن التي نحصد ثمار بذورها اليوم.

 

في اليمن ما أمسنا للمحبة والتآخي، سواء كنا تحت مظلة اليمن الموحد أو الفدرالي أم يمنين، فبالكراهية لن نتعايش ونحن على أرض واحدة وتضاريس واحدة، وإن وجدت حدود سياسية هي خطوط وهمية من صنع البشر ولا وجود لها في الأصل، لكننا نظل أمة واحدة ومصالحنا متقاربة ونكمل بعضنا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، خاصة بعد أن امتزجت الأعراق والدماء والمصالح المشتركة، سنظل شعبا واحدا وأمة واحدة بحاجة للتآخي والحب والود والتراحم.

 

نحن من عشنا ذلك الزمن الجميل في عدن، وبحكم تجربتي في هذه المدينة الراقية وأهلها العاشقين للتعايش والقابلين للتنوع والسعداء به لأنه إثراء ثقافي وإبداعي وفكري، انظر في صفحات ذلك التاريخ الغني بالثقافة الإنسانية والإبداع الفني والفكري وقارنه باليوم البائس الذي لا وجه لمقارنته بإبداعات الأمس الثقافية والفكرية والفنية، وبهذه المقارنة ستجد أن التنوع وقبول هذا التنوع إثراء ورقي ونهوض لكن عندما تبث الدعايات والتشويه للآخر وسرد حكايات لا معنى لها غير بث روح الكره والحقد عن الآخر هنا تبدأ الكراهية مهمتها بتفكيك أواصر البنية الاجتماعية والتعايش مع المختلف، فتتسمم النفوس وتنحط الأفكار، وهذا ما تم ونفذ بإحكام وصارت الكراهية عنوانا.

 

الكراهية روائحها نتنة وتنتج عفنا، وستقتلنا وتعيق تطورنا وازدهارنا لأنها سموم فتاكة ضد التعايش والتنوع والمواطنة المتساوية، حاربوها تصدوا لها قبل أن تدمرنا وتقتلنا، شمالا وجنوبا.

* الأيام