وجهاً لوجه : قضية الجنوب والمجتمع الإقليمي والدولي

2012-10-26 11:34

 

 

وجهاً لوجه : قضية الجنوب والمجتمع الإقليمي والدولي

د.سعيد الجريري

إشارة افتتاحية:

من أسوأ الأمور أن يشعر المرء أن عاصمة (بلده)  في دولة شقيقة. هذا هو إحساس (الجنوبي) الحُرّ عندما يُضطر ( غيرَ باغٍ ولا عادٍ) لمتابعة معاملة (رسمية) في صنعاء.

(1)

لا حديث لممثلي المجتمع الإقليمي والدولي الآن إلا ( الحوار الوطني ) وموقف الجنوبيين منه، ويضغط الجميع بكيفيات مختلفة لكي تُضفى شرعية معينة على مشاركة جنوبية في (حوار صنعاء الوطني) الذي لم يعد يتشارك الجنوبيون معها في المواطنة، ولم يبق من خيوط العلاقة معها إلا ثقل الوجود الأمني الضاغط على الجنوب، ولوازم الأداء الوظيفي اليومي التي لم تنقطع حتى في عهد الاستعمار البريطاني للجنوب، على ما بين الاستعمار البريطاني حينئذ وما نحن فيه الآن من بَون حضاري وإنساني شاسع.

(2)

على تلك الخلفية يمكن القول إن المجتمع الإقليمي والدولي لا يتعاطى بجدية وموضوعية مع قضية الجنوب المستباح أرضاً وإنساناً منذ صيف 1994م، وأن صيغة المبادرة الخليجية التي خضعت لتعديلات علي عبدالله صالح مرّات بما يرضيه للتوقيع بقصد إنقاذ حلفاء الإقليم التقليديين والإبقاء على مصالح الدول الكبرى في الجنوب حيث الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، هي صيغة من حق الجنوب وثورته السلمية ألا يتعاملا معها، فهما ليسا معنيين بها وهي ليست معنية بهما، فهي مبادرة لحل أزمة النظام في صنعاء، وقد ركنت قضية شعب الجنوب في زاوية لا تكاد ترى، بأن جعلتها بالموازاة مع قضايا أخرى كقضية الحوثيين التي هي جزء لا يتجزأ من القضية اليمنية (الشمالية)، في حين أن (القضية الجنوبية) ليست جزءاً من (القضية الشمالية).

(3)

     لماذا لا يريد المجتمع اإقليمي والدولي أن يتأمل أولاً ثم يتفهم، ومن بعد، أن يتعامل مع واقع لم يعد خافياً إذ أثبتت الأحداث والوقائع أن ما بات يعرف بالقضية الجنوبية أو بتوصيف أدق (قضية شعب الجنوب واستعادة دولته المدنية) يضمر قضية أخرى مسكوتاً عنها هي القضية الشمالية أو بتوصيف أدق (قضية شعب اليمن وخروجه من عصر القبيلة). وأن حل كل قضية ينبغي أن يكون بمعزل عن الآخر، وأن كل شعب من الشعبين المعنيين هو الأقدر على حل قضيته، وليس هناك من سبيل إلى وضع قضية شعب الجنوب على طاولة صنعاء التي لم تستطع حل قضيتها الشمالية، ذلك أن لكل قضية منهما خصوصياتها، وليس من المنطق أو الواقعية وضع من كان جزءاً من المشكلة أو كلاً لها موضع من يراد له أن يكون جزءاً من الحل.وهذا الأمر هو ما بات شعب الجنوب مدركاً أبعاده، ويستميت منذ سنوات في التعبير عنه وتقديم التضحيات في سبيله، ويسعى للوصول إليه كيما يتفرغ لمرحلة البناء والتنمية وإدارة شؤونه بعيدا عن هيمنة صنعاء التي لا يمثل لها الجنوب إلا منطقة نفوذ وثروات وتوسع ديموغرافي ضداً على وجود شعب الجنوب وحقه في السيادة على أرضه وثرواته.

(4)

متى يدرك المجتمع الإقليمي والدولي أن صنعاء هي مشكلة الجنوب، وليس الجنوب هو مشكلة صنعاء؟ وبالمقابل متى ندرك نحن – الجنوبيين – أن مما يؤجل حل قضيتنا هو ضعف الأداء السياسي الاحترافي، وأن هناك توازياً ينبغي أن يكون بين الحراك الميداني والحراك السياسي الاحترافي، وتنشيط (اللوبي) الاستقلالي الجنوبي، فالعالم شهد وسيشهد ثباتنا على الأرض، ولكن انتظار أن يأتينا العالم، أو أن ترفع القوى المهيمنة الحظر عن قنواتها ليرانا العالم، ليس مما ينبغي التعويل عليه بفاعلية أننا أهل الأرض والقضية، بل ينبغي أن نسعى لإيصال صوتنا وقضيتنا بأساليب احترافية وسياسية ودبلوماسية حقيقية ومهنية ليدرك العالم أن قضيتنا فوق أنها عادلة هي قضية مستقبل، وليست قضية ثأر شعبي أو وطني أو سياسي أو حزبي أو جهوي كما يحاول أعداء قضيتنا أن يروجوا بأساليب مختلفة وبإمكانيات متاحة، لكي تكون لهم  إعادة إنتاج 7 يوليو بشرعية إقليمية ودولية هذه المرة.

إشارة ختامية:

هل لدى ممثلي المجتمع الإقليمي والدولي إجابة موضوعية عن سؤال: لماذا تحب صنعاء (الوحدة) مع الجنوب، ولم يعد للوحدة مع صنعاء ذرة هوى في ضمير الجنوبيين الأحرار؟.