التعويلُ على "حكومة المناصفة" لإيقافِ نزيف الدم في أبين يشبهُ، إلى حد كبير، "قراءة الكف" والشعوذة، وتعليقُ الآمالِ في وقف الحرب على تلك الحكومةِ المرتقبة هو في الأساس ضربٌ من السحر والدجل ووهمٌ أكثر مما هو عملٌ سياسي مبنيٌ على أسسٍ منهجية ومعاهدات وضمانات وضامنين.
حكومةُ المناصفة المنبثقة عن اتفاق الرياض لا تعدو عن كونها حكومة مؤقتة لفترة انتقالية توصلُ إلى مفاوضاتٍ نهائية يُفترض أن تخرجَ بحلٍ سياسي شامل لكل أزمات اليمن الرئيسة، وفي مقدمتها قضية الجنوب، بحسب خطة المبعوث الأممي مارتن جريفثس، هذا طبعا في الحالة الطبيعية، فما بال حكومة في وضع متأزم سياسيا وعسكريا وتصعيد متنامٍ بين طرفين رئيسين هما الجنوب والشمال اللذين يمثلانِ قطبي الحكومة المؤمّل عليها إيقاف الحرب!
تشكيلُ الحكومةِ بهذه الآلية دون حسابات لما هو حاصل على الأرض، ودون استيعاب الواقع بأبعاده العسكرية وجغرافياته وقواه ومكوناته المسيطرة وإرادات سكانه وتطلعاتهم ومشاريعهم الوطنية هو ترحيلُ أزماتٍ وتأسيسٌ لحروب ستكون أكثرَ دمويةٍ. الإصرارُ على إبقاء الشراكة بين الشمال والجنوب بهذه النمطية التي تقلل من الكيان الجنوبي وتحقّر قواه السياسيةَ وإرادة شعبه وتجعله دائما مجرد "ملحق" أو فرع، ما هو إلا استمرارٌ للسطوة والهيمنة سيرافقه -لامحالة- حروبٌ ودماء وثورات. الإصرار على اغتصاب الإرادة الشعبية في الجنوب وتمثيلها بمجموعة أشخاص أو بمنطقة معينة أو لون سياسي ما هو إلا تعميق للحرب الدائرة وتوسيع رقعتها وتطويل أمدها، والحرب التي نعنيها هنا هي حرب الشمال على الجنوب وحرب الجنوب التي تسعى من خلالها لاستعادة الهوية وإعادة الدولة وكسر مشاريع الغزو والاحتلال الداخلي.
حكومة المناصفة، إن نجح التحالفُ بتشكيلها وفرضها، بالآلية والطريقة والهدف الذي تنشده الشرعية اليمنية، فذلك بدايةٌ لحربٍ طويلة من المؤكّد أن تتدخلَ فيها أطرفٌ إقليمية وتتداخل فيها مصالح المتصارعين الإقليميين؛ مما يُدخِل المنطقةَ في دوامة أول من يكتوي بنارها دول التحالف نفسها، ناهيك عن التهديدات التي ستطال باب المندب وخطوط الملاحة في البحرين الأحمر والعربي، وسيصل شررها سيناء ومصالح التحالف وغيره من الدول في منطقة القرن الإفريقي.
إشراكُ دولتين متحاربتين، إحداهما معتدية والأخرى محتلة، في حكومة واحدة هو شرعنة للاحتلال وتعدٍ على القانون الدولي والمعاهدات، وإرغام الإرادة الشعبية على القبول بحلول سياسية خارج قناعاتها، هو تجاوز لمواثيق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين وانتهاك لحق "تقرير المصير" المكفول للأقليات المضطهدة، فما بال شعب الجنوب الذي يتمسك بتقرير مصيره واستعادة دولته التي غزتها جيوش الشمال واحتلتْها بالقوة؟!
استيعاب الواقع، بكل أبعاده، يقتضي دعم مصالحة بين القوى الجنوبية، والعمل على تشكيل حكومة جنوبية خالصة، وأخرى شمالية تعهد إليهما إدارة الجنوب والشمال لفترة انتقاليه قبل الولوج إلى مفاوضات شاملة يتم خلاها تحديد العلاقة النهائية بين الطرفين، غير هذا ما هو إلا استنزاف للطرفين الجنوبي والشمالي، وتأسيس لحروب مستقبلية لن يخمد نارها إلا إعادةُ الحق لأهله، أما حكومة المناصفة المرتقبة فلن تكون إلا خلية حرب ستكرس جهودها لإدارة العمليات العسكرية.
عن الأيام