منذ أربعة أسابيع تقريبا زارتني طالبة من قسم الإعلام والاتصال في كلية الأداب، كانت محجبة الوجه، سألتني بأدب جم: أنت الدكتور قاسم المحبشي؟ قلت لها نعم تفضلي عزيزتي. قالت أنا طالبة سنة رابعة إعلام قسم التلفزيون وعندي مشروع تخرج عن سالمين! رنت كلمة ( سالمين) في ذهني مثل الصرخة واعتدلت في جلستي وسألتها على الفور وباهتمام شديد: سالمين! أتقصدين الرئيس الشهيد سالم ربيع علي؟! قالت: نعم دكتور أقصده. قلت لها: وما علاقتك يابنتي بهذا الأسم والرمز والتاريخ الكبير؟! أجابت: اعذرني استاذي نسيت أعرفك بإسمي. قلت لها: تفضلي. قالت أني سارة علي الفقير وأبي ابن عم الشهيد سالمين الله يرحمه واود أن يكون مشروع تخرجي عن الرئيس سالمين عبارة عن فلم وثائقي عن سيرة حياته منذ ميلاده حتى إغتياله. قلت لها: مشروع جدير بالقيمة والأهمية والمعنى. ولكنه موضوع واسع وشائك ويحتاج الى فريق من الباحثين وليس بمقدورك لوحدك إنجازه.فتحت سارة حقيبتها وأخرجت حزمة من الصور التذكارية النادرة التي جمعتها بجهدها الشخصي عن حياة الشهيد سالمين. قلت لها: ممتاز جدا سارة وهل لديك من يعمل معك في هذا المشروع العلمي الوثائقي التاريخي. صمتت لبرهة وردت بنبرة مخنوقة بالعبرة! لا أحد معي غير الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى وخالتي أميرة طالبة سنة ثاني بقسم الاجتماع في الكلية وأنتم يادكتور قاسم وعميد الكلية الأستاذ الدكتور علوي عمر مبلغ الذي كان له الفضل الأول في تشجيعي مع رئيس قسمي الدكتور محمد علي ناصر، ومشرفي العلمي الدكتور محمد عبده هادي. والمثل يقول: ما حك جلدي مثل ظفري! وما يحن العود الا على قرفته! واضافت كما تعلم دكتور كم من السنين مرت منذ إغتيال سالمين حوالي ٣٩ عاما حتى اليوم ولا يزال تاريخه محاط بالنكران والاهمال والنسيان ولم يبادر أحد من المؤسسات أو الأفراد المختصين بالدراسات التاريخية وسيّر الشخصيات السياسية العظيمة بالكتابة عن سالمين أو عقد ندوة خاصة باسمه، بينما طلعت رسائل ماجستير ودكتوراه عديدة من كليتنا العزيزة تحمل عناوين: علي عبدالله صالح ودوره الوطني في الثورة اليمنية أو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والكفاح الثوري! فضلا عن الندوات والمؤتمرات العلمية التي عقدتها جامعة عدن عن الشخصيات السياسية والثقافية ومنها: المحامي محمد علي لقمان، والمناضل أحمد محمد نعمان، وغيرهم من الشخصيات الشمالية والجنوبية.
واختتمت حديثها بتنهيدة حارقة بهذا الجملة
التي أيقضتني من سباتي: الا يستحق الرئيس الشهيد سالم ربيع على حبيب الشعب وقائد ثورة التحرير من الاستعمار الانجليزي شيئا من بعض هذا الاهتمام والتذكّر والتذكير بوصفه شخصية وطنية ثورية سياسية محورية في تأسيس دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان له ما له وعليه ما عليه ونحن لا نريد من أحد أن يمتدحه، بل نريد نفض غبار الإنكار والتجاهل والاهمال والنسيان المتراكم عليه
منذ يوم استشهاده، ونأمل أن ينال ما يستحقه مِن الإنصاف والاعتراف في الأرض التي أحبها وكافح من أجل حريتها وعزتها وسفك دمه الطاهر على ثراها. قلت لها: الف رحمة ونور تَغْشَاه في مثواه، بلا يستحق ما هو أكثر من ذلك بكثير عزيزتي، انه سالمين أنزه وأصدق وابسط الرؤساء العرب. فيكفيه شرفا انه الرئيس العربي الوحيد الذي قضى نحبه دون أن تكون بذمته مقدار خردلة من المال العام، بل كما يقال أنه استشهد وهو مديونا مبلغ وقدره ٢٥ دينارا.
وهكذا جعلتني الطالبة النجيبة سارة من أول جلسة شديد القناعة باهمية وضرورة مشروعها وأبديت كامل استعدادي لمساعدتها بما استطيع الى ذلك سبيل، ومنذ تلك اللحظة وأنا أفكر بالشهيد سالمين
وأتواصل مع من أعرفهم محاولا إقناعهم بدعم مشروع الطالبة سارة لإعداد الفلم الوثائقي عن سيرة حياة الرئيس الشهيد سالمين، ليس من باب مساعدة سارة بل باعتبار عمل مثل هذا يعد من الوجبات التي تقع على كل شخص راشد في المجتمع الذي كان سالمين احد أهم رموزه السياسية الملهمة للاجيال التي كان للشهيد سالمين الفضل الأول في تعهدها ورعايتها بالتربية والتعليم المجانية وما كان يمثله من قدوة إيجابية ملهمة في قيم النزاهة والصدق والبساطة والأمانة والشعور بالمسؤولية
والسهر من أجل الشعب الذي منحه زمام قيادته. فمن ذا الذي يستطيع نسيان تلك الأيام التي عشناها تحت رأية سالمين حينما كنا اطفالاً؛ إذ أتذكر الآن الشعارات التي كنا نرددها ببراءة الطفولة: نحن اشبالك وأفكارك لنا مصباح! وفِي كل الأحوال يظل سالمين رمزاً تاريخياً يستحيل تجاهله أو نسيانه والرموز تظل خالدة لا تموت. والتاريخ هو ما تم وانقضى ويستحيل استرجاعه غير أن أهم وصفة علمية مجربة في التصالح مع التاريخ وعدم تكرار أخطاءه هي تقبله كما كان عليه بدون تحريف أو تزييف وإعادة بناءه ووعيه على نحو سليم، وقد علمت من الطالبة سارة الفقير أن هدف مشروعها علمي وإنساني خالص ولا يهدف للبحث في قضية مقتل الرئيس أو ادانة أحد فيها.
وهي لذلك تدعو كل من يعز عليه سالمين وتاريخه ويشعر بواجب إنصافه أن يتعاون معها في إنجاز مشروعها، لعدم مقدرتها على تحمل هذا تكاليف المشروع المادية والمعنوية لوحدها.
وأشهد أن الطالبة الباحثة سارة علي الفقير تبذل جهود مضنية بجد وحماسة في سبيل إنجاز مشروعها وهي تستحق الدعم والمساعدة وجديرة بالثقة والرعاية. والله من وراء القصد.