((نادرًا ما فهمتموني ونادراً ما فهمتكم أما حينما نسقط كلنا في الوحل حينئذا فقط ربما نتفاهم !))
هب يهب هبوب هبة بمعنى فزع تحرك قام ونهض ووقف واستعد وفعل ورد وأثر وحول وبدل ، بمعنى استجاب وقاوم ورفض وثار وتحدى بمعنى حضر وظهر وبان وكان موجودا محسوسا ملموسا حيا تراه الأعيان وتدركه الأذهان ، بعكس الغياب والنوم والموات والعجز والكسل والخنوع والامتثال والتخاذل والخذلان ،وربما كان هذا المعنى مقاربا للمعنى الذي دونه ابن منظور في لسان العرب , اذ جاء في حرف الهاء : ” ابن سيده: هَبَّتِ الريحُ تَهُبُّ هُبُوباً وهَبِيباً: ثارَتْ وهاجَتْ؛ وقال ابن دريد: هَبَّتْ هَبّاً، وليس بالعالي في اللغة، يعني أَن المعروف إِنما هو الهُبُوبُ والهَبيبُ؛ وأَهَبَّها اللّهُ. الجوهري: الهَبُوبةُ الريح التي تُثِير الغَبَرة، وكذلك الهَبُوبُ والهَبيبُ. تقول: من أَين هَبَبْتَ يا فلان؟ كأَنك قلت: من أَين جِئْتَ؟ من أَينَ انْتَبَهْتَ لنا؟ وهَبَّ من نَومه يَهُبُّ هَبّاً وهُبُوباً: انْتَبه؛ أَنشد ثعلب: فحَيَّتْ، فحَيَّاها، فهَبَّ، فحَلَّقَتْ، * مَعَ النَّجْم، رُؤْيا في المَنام كَذُوبُ وأَهَبَّه: نَبَّهَه، وأَهْبَبْتُه أَنا.وفي حديث ابن عمر: فإِذا هَبَّتِ الرِّكابُ أَي قامَت الإِبلُ للسَّير؛ هو من هَبَّ النائمُ إِذا اسْتَيْقَظَ. وهَبَّ فلانٌ يَفْعَل كذا، كما تقول: طَفِقَ يَفْعَلُ كذا.
والهبة من اسمها قفزة نوعية في مسيرة ثورة المقاومة الجنوبية السلمية ، جاءت في اللحظة المناسبة ، ومن المهم ان يحرص الجميع على جوهرها السلمي ومقاصدها العادلة وحمايتها من الاختراقات المقصودة وغير المقصودة ، وذلك لن يتحقق الا بقوة التنظيم ومرونة التنسيق وحنكة الادارة ، انها ابتكارا خلاقا نابعا من صميم واقع حياة ثورة المقاومة الجنوبية السلمية ، التي أدهشت العالم بقوة إصرارها وثبات مراسها وتصاعد زخمها وطول صبرها ومشروعية أدواتها وصدقها وعدالتها وسمو مقصدها ومشروعية أهدافها ، في مقاومة قوى الغزو والاحتلال الغاشمة ونيل الحرية والسيادة الكاملة لشعب الجنوب المقاوم الذي شب عن الطوق وأخذ يمتلك زمام أمر إرادته الحرة الواعية ، وإذا الشعب يوم أراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر.
وحينما تهب حضرموت تكون الرياح مؤاتية.
تقوم حياة الناس الاجتماعية وتستقر وتستمر وتزدهر بثلاثة مقومات أساسية عضوية نسقيه تفاعلية هي : ( فعل علاقة بنية ),بدونها يستحيل الحديث عن الظاهرة الاجتماعية بوصفها ظاهرة قابلة للرؤية والدراسة , وهذا ينطبق على كل النسق المجتمعي كله من خليته الأولى الأسرة مرورا بكل مؤسساته التقليدية , عائلة بيت فخذ عشيرة قبيلة حلف شعب قوم أمه وحتى اعلي أشكال ومظاهر الائتلاف الاجتماع الإنساني في مستوياته الأعلى والأكثر تركيبا المجتمع العالمي ويقع الإنسان بوصفه فاعل اجتماعي في قلب هذه العملية التاريخية , إذ إن كل فعل حتى يكون اجتماعيا يتطلب وجود علاقة مع فاعلين اجتماعيين مشابهين ومتماثلين يدخلون مع بعضهم البعض في علاقة تبادلية تفاعلية حية ومباشرة متكررة ومستمرة ومطردة وهذا ما يجعل العلاقة الجدلية التفاعلية المتكررة تتحول إلى شكل , بنية أو مؤسسة أو إطار أو كيان ذات ملامح تتخذ شكل يتصف بالاستمرار والديمومة والثبات النسبي رغم غياب الافراد الفاعلين الذين انشئوها, اذ ان الافراد ياتون ويذهبون بينما المؤسسات تبقى حاضرة طالما وجد فاعلون وافعال وعلاقة مضطردة.
يقول تشرشل ” أننا نحن من يقوم بتشكيل مؤسساتنا ثم تقوم هي بتشكيلنا”, وبهذا المعنى يمكن لنا النظر إلى فعل التزاوج الأول بين أبونا آدم وأمنا حواء الذي اكتسب صفته الاجتماعية بوصفه علاقة بين فاعلين اجتماعيين, علاقة تزاوج التي بفضلها واستمرارها واضطراها صارت ( الأسرة) بنية ومؤسسة اجتماعية تقليدية مستمرة و شبه ثابتة في حياة المجتمعات البشرية, من هذه الخلية البنية الأولى تناسلت عبر التاريخ سلسلة واسعة من البنى والأنماط والأطر المؤسسية الاجتماعية, التقليدية والحديثة, عشائر قبائل أقوم شعوب أمم , قرى مدن ودول … الخ من أساليب وصور العيش الاجتماعي للناس .
غير أن الحياة الاجتماعية بكافة صورها وإشكالها البسيطة والمركبة لا يمكن إن تستمر دون وجود وسائل فعالة وقواعد عقلانية لحل المشكلات والنزاعات الاجتماعية التي تكتنف حياة كل مجتمع.