ما الذي يفعله هذا العدد المهول من "وفد حكومة الشرعية" إلى جنيف للمشاركة في الدورة 36 من مجلس حقوق الإنسان المزمع انعقادها خلال الأيام القادمة؟
السؤال الآنف سؤال بديهي جداً، ومنطقي جدا، وهو سؤال ذات بعدين: بُعد أخلاقي؛ يتعلق بنثريات غير محدودة في ظل ظروف صعبة، وبُعد يتعلق بالمهام والواجبات التي يقدر أن يقدمها كل هؤلاء بما يعود بالفائدة في مقابل ما صُرف عليهم.
فيما يتعلق بالبُعد الأول، فلم يَعَد بخافِ على أحد من العالمين هول العذاب والمعاناة البالغين في قسوتهما وضراوتهما التي تطال حياة الناس في جميع مستوياتها وأبعادها، المادية والمعنوية، خصوصاً والحكومة الشرعية قبل كم شهر كانت أيضاً في جنيف نفسها تشرح للعالم هذه المعاناة وتستجديهم بكل أخلاق ومروءة الدنيا حتى يتكرموا عليها بتقديم ما تيسر من العون والمساعدة، بينما الآن تُرسل وفد بالعشرات ـ كان يمكن اقتصاره على بضعة أشخاص من ذوي الاختصاص والكفاءة ـ يصل المصروف اليومي للمشارك الواحد إلى قرابة 500 دولار أمريكي عدا عن السكن والنثريات الأخرى، بينما غالبية الموظفين في الداخل ينتظرون رواتبهم الزهيدة منذ أشهر في منافذ الصرف، ودون جدوى (فبأي وجه أخلاقي ستقدم هذه الحكومة نفسها إلى العالم؟).
فيما يتعلق بالبُعد الثاني، لو تأملنا في أسماء الوفد المشارك، لوجدت أن أغلبهم ممن تم الدفع بهم خلال الفترة الماضية إلى مناصب حكومية كبيرة وبدون حتى أن يشغلوا أي وظيفة حكومية ولو حقيرة قبل التعيين أو أدنى مؤهلات أو خبرات تستدعي الاستعانة بهم، وفوق ذلك ليس لهم أي علاقة أو صلة بمهمة جنيف سواء من حيث التخصص أو الكفاءة أو حتى من حيث الوظيفة التي يشغلونها حالياً ( بلغ العبث إلى أن يكون عدد الوفد الإعلامي ربما يتجاوز ما توفده قناة رياضية عالمية لتغطية نهائيات كأس العالم!)
حسب معلومات خاصة من داخل الحكومة الشرعية، فإن أقطاب الشرعية المتعددة: هادي ومحسن وبن دغر..إلخ، لا يأمن كل منهم للأخر جانباً، وكل طرف تتلبسه خشية عاتية من الأقطاب الأخرى، أكثر من أي خشية يمكن أن يكون مصدرها طرف خارج "البيت الشرعي"، فالمنافسة الشرعية باتت محصورة بدقة بين هذه الأقطاب، فضلا عن وجود جرائم حرب لا بد أن يتحمل مسئوليتها في الأخر طرف معين.
فما الذي يمكن أن نستنتجه من خلال هذا التمثيل العبثي، العبثي لو نظرنا إليه وفقاً لما تفرضه طبيعة المشاركة ومتطلباتها؟
يخشى كل قطب أو طرف شرعي من قيام أي مجموعة محسوبة على طرف معين بخطوة لصالح الطرف الذي تمثله على حساب الأطراف الشرعية الأخرى خصوصاً في الاجتماعات الجانبية وعادة تكون الأهم من حيث تحقيق اهداف معينة مقارنة بالجلسات العامة، ولهذا كان لا بد من أن يحشر كل طرف المؤتمنين من أتباعه ليفتحوا عيونهم جيداً على كل ما قد تقوم به الأطراف الأخرى منفردة!
هؤلاء الشباب الذين دفع بهم من الشارع إلى مناصب كبيرة وبما يخالف كل المحددات القانونية، وبلا مؤهلات، كفاءة، خبرة، تسندهم، باتوا يعرفون جيدا ما هو المطلوب منهم للوصول إلى مناصب أرفع. ثم كيف يمكن أن تكون هناك حدود لطموحاتهم قريبة الأجل، وبعيدة الأجل وهم يصعدون إلى القمة بسرعة الضوء، ونظير مهام مقدور عليها تماماً!