مخطئٌ مَنْ يعتقد أن العملياتِ الإرهابيةَ المتكررة في عدن وبعض محافظات الجنوب ناتجةٌ عن فكرٍ ديني متطرف أو سلوكٍ جهادي بحت ، وواهمٌ من يسعى إلى صرفِ الأنظار عن العمل المخابراتي المنظم الذي يديرُ مثلَ هذه الأعمال .
الفكر الجهادي المتطرف يستهدف قوى معينةً ومصالحَ عسكريةً وأمنية ذات قدراتٍ وينشطُ حيثُ يكون هناك خطراً على الدين أو تعديا على الإسلام والمسلمين من قوى غربية وصليبية تحديدا وفقاً لمنهج بعض التنظيمات كالقاعدة وداعش ، ومما يميّز عملياتِ هذه التنظيمات الناتجة فكر جهادي بحت هو الدقة في بلوغ الهدف وتحديده بإحكام ودراية وخبرة وقبل كذا دراسة لجدوى العملية وآلية التنفيذ ، بيد أن العملياتِ التي وقعتْ في عدن استهدفت تجمعاتٍ لشباب ساعين للتجنيد ولم تكنْ مسارحَ العملياتِ المنفذة هنا ذاتُ أهمية عسكرية أو أمنية بقدر ماهي حرصٌ على قتل أكبر عدد من الناس في أي مكان وبأية طريقة المهم أن يكون القتلُ في عدن ، فعندما احتلّ الحوثيون ذوو التطرّف الشيعي عدنَ ومحافظاتِ الجنوب لم نرَ عمليهً واحدة من هذا النوع تستهدف تواجدهم وتمددهم في عدن رغم أن الفكر الشيعي الاثنا عشري هدفٌ لتطرف المنظمات الإرهابية والجهادية ، ولم نرَ اليوم أي عملياتٍ إرهابيةً من هذا النوع في صنعاءَ أو المناطق الخاضعة للشيعة وقوات المخلوع صالح ولا حتى في المناطق التي لا تزال تحتدمُ فيها المعارك بين الحوثيين وصالح من جهة وقوات الشرعية والتحالف من جانب ثانٍ كتعز أو مأرب أو البيضاء مثلا .. لكن عدن والجنوب عامة حين تحررتْ وانفكت من قبضة صالح والحوثيين وصُفيتْ من شوائب الشيعة وأعداء الدين والحياة وقعتْ هدفا لتلك العمليات الإرهابية ووقع أبناؤها ومدنيوها وبسطاؤها حطبا لتلك النار القادمة من الشمال ، ليس لشيء إلا عداوةً لحرية أبناء الجنوب وبغضاً لتحرير الجنوب من قوى يمنية معروفة بعدائها لهذا المشروع الجنوبي ، من قوى يمنية متفرّقة ومتناحرة جمعها فقط استعداءُ مشروع استقلال الجنوب ، منها من يقف في صف الانقلاب كاجهزة مختارات المخلوع ومنها من يقف على الطرف النقيض كالإصلاح وبعض الأطراف التي تتدثر بغطاءِ الشرعية وتستغلّه للعمل على زعزعة أمن الجنوب وضرب مشروع وتطلعات الجنوبيين نحو الاستقلال واستعادة الدولة .
إن العملياتِ الإرهابيةَ في عدن هي صناعيةٌ يمنيةٌ بامتياز اشتركتْ فيها قوى الشر المناهضة للمشروع الجنوبي ، فتضافرت جهود تلك القوى المعادية ضد الجنوب دون ترتيبٍ أو تنسيق لأن مشروعهم واحد هو ضرب مفاصل الدولة في عدن وتقويض أي مساعٍ لاستقامتها واستقراها ووأد أي توجهات نحو بناء جيش جنوبي ، وكلٌ يعمل بطريقته وبإمكانيته ضد استقرار واستقلال الجنوب ، بيد أن الإصلاحَ هو الأكثر خطراٍ على عدن اليوم ؛ إذ مازال هذا الحزب ينفّذ مخططاتِه العدائية من داخل الجنوب ومازال يقتاتُ هو ورموزه من عدن تحت غطاء الشرعية ، فضلا عن علاقاته القديمة ببعض التنظيمات الإرهابية وما بناه على مدى سبعة وعشرين عاما من دورٍ لتعليم المتطرفين وتأهيل الإرهابيين في الجنوب والشمال .
تقصيرُ الأجهزة الأمنية الجنوبية وسذاجتها واختراقها كانت أيضا عاملا مساعدا سهلّتْ من وقوع تلك العمليات الإجرامية ، وأكثر ما يُؤخذُ اليومَ على أجهزة الأمن والمقاومة بعدن أنها لا تخضع لقيادةٍ موحّدة ولا تعمل بشكل منهجي واحترافي سيما في العمل الأمني ، فلا غرف عمليات مشتركة ولا قيادة مركزية ولا علميّة ومنهجية في البحث والتحري ولا عمل مخابراتي يوازي العمل الأمني ولا كادر مهني ومؤهل مستوعب لأسس ومبادئ العمل الشرطوي والنظام والقانون في هذا الجانب .. كل هذا البعث سهل الطريق للمتربصين ومكنهم من التنقل والتخفّي والإعداد لعملياتهم في حواري عدن بكل يسر وسهولة !!
في الخلاصة أن الأجهزةَ الأمنية بعدن بحاجةٍ إلى إعادة غربلة لترتيب الأوراق والعمل بشكل نظامي ، وأن الكادر الشرطوي المؤهل حاجة ضرورية في مثل هذه الظروف ، فهناك مئاتٌ من شباب الجنوب المتخرجين من كليات الشرطة وبعض الكليات العسكرية الأخرى ومنهم الكثير من الأكفاء والمخلصين وذوي الطاقات للعمل في إطار الجنوب المستقل ، فلماذا لا يتم استدعاؤهم وتوزيعهم على مراكزِ الشُرط ليعملوا إلى جانب قيادات المقاومة ويتبنوا مسألة الإشراف والتخطيط في إطار كل مربع أمني لتجمعهم في الأخير غرفة عمليات مشتركة تكون تحت قيادة محترفة ومجرِبة .. وستكون الفائدةُ عظيمةً إذا ما استغلّتْ طاقاتُ هؤلاءِ الشباب الجنوبيين المتخرجين من الكليات العسكرية لعمل شبكة مخابرات جنوبية خالصة بعد استدعائهم وتأهيلهم بدورات تنشيطية (قصيرة) بالعلوم المخابراتية ثم نشرهم على المناطق المستهدفة .
*✍وهيب الحاجب*