ذهاب عبدربه إلى العاصمة التركية أنقرا كان له دلالة واضحة بان الاستراتيجيّة تجاه اليمن، والجنوب بشكلٍ خاص، سوف تتغير كليّاً.
تطورات كبيرة وحاسمة وحرجة تشهدها المنطقة، ومع التداعيات الكبيرة التي تخلفها هذه التطورات وغبارها يصبح العامل الزمني لا أهميّة له، بمعنى أن الاستراتيجية التي تتطلب زمناً أطول باتت غير ذي جدوى بالمرة، استراتيجية الدول والتحالفات تصبح أشبه بوجبة "التيك آوى" أو حقيبة سفر، الحاجة إلى نقلات سريعة في ظل هذه الرمال المتحركة ضروريّة، وبات من الواضح أن العدد الأكبر من التكتيكات/ النقلات الآمنة ستُحدِّد في نهاية المطاف الرابح من جولات استنزاف لن تنتهي بسهولة، قصدي ما ندعوه مجازيّاً بالرابح.
محليّاً، كان هنالك محاولة من الملمة للأمور في عدن بضغط متواصل من طرف خارجي ولهذا حدثت بعض التغييرات (غير المتوقعة)، لكن هذه الضغوط باتت اليوم في ظل الصراع العميق داخل التحالف نفسه غير مثمرة.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس في أنقرا بدا كمن يتنفس الصعداء، وزفر ببضع كلمات عاميّة مقصودة ليوجه رسائل عدّة، للداخل وللخارج، أرادت أن تعكس في نبرتها وتكرارها مقدار الفاعليّة الذاتية للرئيس.
اليوم جاء تعيين علي محسن الأحمر نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة في هذا السياق، سياق النقلات الجديدة، وفي سياقها أيضاً يمكن أن نفهم كثير من الأحداث والتطورات الداخلية، والهجمات الإعلامية الممنهجة.
واضح أن القرار جاء بفعل ضغط خارجي، فكراهيّة علي محسن لن تقل عن كراهية صالح، لكن عبدربه منصور هادي هو سيد الخيارات الضيقة والمعارك الصغيرة، فغامر الانحياز إلى جهة ما تحت توهم الحصول على بعض الفرص.
هذا المشهد يعيدنا إلى طريقة عبدربه في إدارة الأمور بصنعاء، حين حاول التخلّص من "الإخوان المسلمين" وعلي محسن بالتغاضي كليّاً عمّا يفعله خصوم الأخيرين ولو من الناحيّة الإعلاميّة لو افترضنا بان الخيارات (العمليّة) لم تكن متاحة لدية في صنعاء، دون أن يضع في حسبانه التداعيات الكارثية لمآلات الصراع. كان ما فكر فيه هو تأهيل "غيتو" خاص به على مساحة محددة في الجنوب، ليس كل المساحة بالطبع ولا حتى نِصفها، وربما أدرك أحد أطراف الصراع في صنعاء هذه الرغبة الضاغطة على الرئيس فأوهمه بان يُتيح له مجالاً للتصرف. وعلى الفور، وبعد التخلص من العدو/الحليف، قام هادي بإصدار بعض قرارات تعيينات هُنا وهُناك على اعتبار أنه قد كسب جزءاً كبيراً من الجولة، ولم يتبق سوى الشيء اليسير!
المشكلة أن هذا الطرف الجديد فأجئ هادي بنقلاته السريعة هو الآخر عن طريق التحالف مع طرف آخر من أطراف الصراع، فوجد هادي نفسه ووزارته تحت الإقامة الجبريّة والقرارات التي أصدرها وكانت كل رأس ماله من هذه الصفقة لم يجف حبرها بعد.
الآن هادي يُعيد هذه المسرحيّة الهزليّة مرة أخرى، وربما هذه المرة بفعاليّة أقل!!
فكم ستتحمل الناس من تكاليف تجاه هذا النزق الأبدي؟ هذا ما لا يستطيع المرء تصوره!!!