الثورات في اليمن ... وقانون تبادل الأدوار.

2014-10-13 20:29

 

بعد مرور  اكثر من نصف قرن من الزمان يبدو ان الثورات في اليمن  بشطريه ما زالت تبحث عن ذاتها ، وما زال الناس يبحثون عن اهداف الثورات،    التي تختزل أحلامهم وامانيهم ، وهي الأماني والأحلام التي لم ترى النور بعد و من اجلها  سالت  الكثير من الدماء  ، ودارت لاجل تحقيقها الكثير  من الصراعات ومازالت رحاها تدور  ولم تهداء او تستقر بل تكبر وتتسع وتتنوع تحت مسميات وحوامل جديده .

 

واللافت في الظاهره اليمنيه  وفقا لما اعتمل من احداث وتطورات شهدتها وتشهدها الساحتين وبالتحديد مع الاحتفاء بمرور ٥٢ على ما يسمى بثوره السادس والعشرين من سبتمبر في الشمال ، و٥١ عاما على ثوره الرابع عشر من اكتوبر في الجنوب ،  وما حملته رياح التغيير خلال نصف قرن ، اللافت في ما يعتمل  هو ان  (قانون تبادل الأدوار ودوراته بين ( القوى المستبده والقوى والمستضعفه) ،كان له الحضور الأقوى في  المشهد  ، ليس فيما  حققه انصار الله على صعيد الحضور السياسي   الفعلي وموقعهم من القرار فحسب ، بل وفيما  أصبحوا يتبنوه من روءى ومواقف كانت يوما  ما حكرا على القوى اليسارية والقوميه في الستينات من القرن الماضي ، مفارقات  تستوجب   الدراسه بعنايه  وبعمق وبدون إغفال لجذورها ومترتباتها القادمه.

 

في السادس والعشرين من سبتمبر عام ١٩٦٢ قامت حركه عسكريه مدعومة  من القومي  الناصري  أطاحت بالحكم الأمامي  الملكي لآل حميد الدين  (كقوى مستبده ) لينشاء بنتيجه ذلك حكم جمهوري محكوم بإتلاف وتحالف ( العسكر ، والقبيله ، والمذهب) لم يخلوا من مظاهر الصراع والتناحر والتخلف وانتشار الفساد  .

 

 وفي الواحد والعشرين من سبتمبر ٢٠١٤ قامت ثوره شعبيه هدفها الإطاحة بما تبقى من قوى  الفساد  العسكريه والقبليه والسياسيه على اثر ثوره التغيير في عام ٢٠١١ ، وهي   ( القوى  المستبده) التي   استأثرت بالسلطة والثروه ، ومارست العداء  وتنكرت لحاضنها  العقائدي   التقليدي المتمثل  بالمذهب الزيدي ومرجعيته   لعقود من الزمان ، ولعل في ذلك اهم العوامل التي ساعدت   الحوثيين ( كقوى  مستضعفه )  تعرضت    للإقصاء  والاضطهاد والمعاناه  والحروب ، لتصبح  في غضون عشر سنوات تقريبا القوه الأساسيه  الصاعده و ألمنظمه الحامله للثوره  التي تمكنت  من مواجهه القوى التقليديه    ( المستبده)  واخراجها من مناطق نفوذها الأساسيه   بما في ذلك صنعاء العاصمه  .

 وما من شك  في ان اهم عوامل هذ الانتصار الذي حققه انصار الله   في هذه المواجهه يعود في الأساس الى اعتمادهم -  اثناء عمليه الاستحضار وإلاعداد  للذات  واستنهاض الجذور الممتده لقرون - يعود الى تماسك  وثبات  ووحده أضلاع مثلث المرجعيه   ( الدينيه، والسياسيه، والاجتماعيه )  ، التي صلبتها المعاناه والحروب  ، لتتعاطى الواقع والحاضر بمعايير المستقبل،  كقوى حيه وشابه  .

 وفي الرابع عشر من اكتوبر ١٩٦٣ كان الجنوب  على موعد مع ثوره تحرريه من الوجود الانجليزي  استمرت اربع سنوات مدعومة  من القوى الجمهورية المنتصره حديثاً في الشمال ومستفيدة من المد  القومي التحرري  الساىد يومها، واستطاعت قوى الثوره ان تقيم نظاما وطنيا على رقعه عدن وما سمي بالجنوب العربي والمحميات الشرقيه ( حضرموت والمهره وسقطرى)   ، ودام الحلم سته وعشرين عاما ، ليتبدد  في ليله ظلماء ، ويدفن معه في عام  ١٩٩٤ ( حلم) او مشروع الوحده الوهمي بين الشمال والجنوب ، ويصبح الجنوب بفعل الحرب  منطقه فيد  واستباحه ونهب وسلب ونفوذ لقوى الحكم التقليديه في الشمال  وهي نفس القوى (المستبده) التي استأثرت بالثروه والسلطه ودفنت مشروع الوحده ومارست دور الوكيل  لانهاء نظام وجيش الجنوب في اطار الاستراتيجية   الرامية   الى تأمين  مصادر التزود بالطاقه وطرق مرورها من قبل الولايات المتحده و الدول الكبرى بما في ذلك تحقيق امن اسرائيل  في المنطقه ، وفقا لمايكل كلير في كتاب ( نفط ودم) .

اليوم وبعد مرور ٥١ عاما يحتشد الجنوبيون في الساحات ليس احتفاء بذكرى الثوره الموؤده ، وليس بحثا عن احلام وأماني تبددت بقوه السلاح  فحسب ، بل يحتشدون للبحث عن وطن ضائع   ، وهويه مصادره ، وحق منهوب ، وكيان دوله دمر ، دوله   كانت تضم الجنوب العربي وحضرموت والمهره وسقطرى، بمساحه تقدر ب 360133 كيلومتر مربع  وعاصمتها عدن . ومن اجل تحقيق هذه الغايات نشاء منذ سنوات ومن صلب المعاناه الحراك الجنوبي السلمي ومكوناته العديده ( القوى المستضعفه) كحامل سياسي  متنوع  لكل القوى السياسيه والاجتماعيه منذ ما قبل ١٩٦٧ وحتى يومنا هذا .

 الشيء الملحوظ ان الحراك السلمي  يعاني كثيرا  من تعدديه وتنوع مكوناته ، وغياب المرجعيه ( السياسيه، والفكرية، والاجتماعيه) الموحده لهذه المكونات ،   ، اضافه الى ما تعانيه   القوى  والأحزاب والشخصيات السياسيه التقليديه  موضوعيا من عجز في تحقيق هذه المرجعيه ، لاسباب عديده مرتبطه بإرث الماضي  ، وبمتطلبات  المتغيرات والتحديات المتسارعه وما تفرضه عمليه التجاذبات والتمحورات الاقليميه والدوليه ، كل ذلك كان له اثره على  مسيره الحراك وضعف أداءه وقدرته على التحول  الى حركه سياسيه منظمه يمكنها ان تفرض حضورها ووجودها القوي على الارض ، تستطيع  ان تحقق أهدافها السياسيه  بسبب افتقار هذا الحراك للمرجعيه الموحده  ، واذا كان حال التنوع يعد  أمرا طبيعيا يعكس حال الواقع ولا يتناقض معه  ، الا انه من المهم هنا بذل الجهود لوجود قياده توافقيه تعكس هذا التنوع وتعبر عنه ،لتتعاطى مع  الحاضر بمعايير المستقبل وليس بحمل هموم  الماضي وترسباته  .

وبالرغم من هذا الحال الذي يعاني منه الحراك كمنظم وحامل سياسي الا ان الحشود المليونيه العديده تعكس  حقيقه وجود وحضور القضيه الجنوبيه في أذهان الناس ووجودهم  ، وحقيقه  ان مظالم الجنوب الكثيره  كما هو واضح وبينته الوقاىع والأحداث منذ عام ١٩٩٤    لا تنحصر فقط في غياب الدوله الوطنيه  العادله التي كانت قاىمه في الجنوب اصلا ( بسلبياتها ايضا)   وتم تدميرها بقوه السلاح من قبل نفس قوى الاستبداد التي مارست الطغيان والمظالم في الشمال و التي لم تستطع ان تقيم دوله عادله في الشمال ، الامر الذي ينشاء بموجب  ذلك  كحق مشروع   لكل طرف متظلم كبناء دوله عادله في الشمال ، واستعاده الدوله والهويه ( الوطن) في الجنوب.

 وبما ان قوى الثوره  في الشمال والحراك في الجنوب تجمعهما المعاناه  والمظالم من نفس  قوى الفساد والتسلط التي حكمت  فان الواجب والمسؤليه تقتضي  الاستفادة من التجارب المريره و من هذه المتغيرات باتجاه العمل  والمساعدة بل والتعاون  لانهاء كل اشكال  المعاناه ورفع المظالم وأشكال الفساد .

  وهنا يمكن التأسيس للمستقبل  انطلاقاً  من فهم   واستيعاب مشروعيه هذه المطالب  من قبل قوى الثوره في الشمال وقوى الحراك في الجنوب والقوى الاخرى على امتداد مناطق اليمن ،  وكذا النظر  بوعي وبمسؤليه الى  مجمل المتغيرات على الساحه اليمنيه  وفي المنطقه العربيه ، وعلى قاعده الحوار والتفاهم وبما يصون حقوق ومصالح الجميع  بما يؤسس  لمستقبل افضل  يقوم على التعايش  والتعاون واحترام الاخر،  بعيدا عن  الاقصاء وعن النزاعات والصراعات التي  يعمل البعض ممن فقد مصالحه  لفرضها كخيار   تحت مسميات وهميه ،ولا غرابه ان وجدنا من يتبنى مثل هذه التوجهات في اطار اعاده التموضع  او التعويض  بعد ان خسر مواقعه  ونفوذه ومصالحه  في الشمال  .