يبدو ان العرب وخاصة اليمنيين مكتوب عليهم المعاناة والنكد والحياة الضنكة ليوم الدين ، فشكوى الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني :
كلينيِ لِـهَمٍّ يـا أُمَيْمـَةُ نَاصـبٍ ... وليل أقاسيه بَطِيء الكـواكـبِ
تطاولَ حتى قلتُ: ليـس بـمنقضٍ ...وليس الذي يرعى النجوم بـآيبِ
هي حال كل مواطن في حضرموت كل طفل اشتد صراخه في ظلمة الليل ولهيب الحر ، كل طالب يعاني الأمرين استعداد لاختبارات فصيلة حاسمة تقرر مستقبله واتجاهه في الحياة ، من كل أم تحمل هموم أسرتها وأطفالها لعدم وجود ماء وكهرباء وابسط الخدمات الضرورية ، من كل أب يبات يناجي النجوم سهرا خوفا على نفسه وأسرته من النهب والسلب والتعدي ، من كل مارٍ بطرقنا وشوارعنا يخاف على نفسه سطوة الدرجات النارية قتلا وصدما ، من كل شيخ مريض وعاجز يعاني الأمرين إذا زار المستشفى ليكابد ألمه ومعاناته اليومية ؟! .
لا يوجد شعب يعاني ويكابد منذ ان يصحو إلى ان يستلقي مغشيا عليه من النكد والتعب أكثر من مواطنينا وأهالينا في هذا البلد ـ الذي سمى زورا وبهتانا ـ الوطن السعيد ، إذا تابعت التلفاز تجد القتل والدم يعكر صباحك ويحرق دمك ويفسد مزاجك ، وإذا اطلعت على وسائل التواصل ستجد السب والشتم والتخوين وسيلة تحاور وتخاطب ، وان أسعفتك رجليك المتعبتين لبلوغ الشارع ستجد الفوضى وانعدام القانون السائد والمسيطر على حياتنا ، فصاحب الحافلة والباص يقف بشكل طبيعي واعتيادي قاطعا الشارع ليمازح صديقه أو ليطالع عمله والصفوف متراكمة من بعده تنتظر ان يفرغ الشارع لتقضي حوائجها .
لقد فقدنا كل قيمة حضارية وإنسانية وإسلامية من حياتنا وسلوكنا اليومي ، فالصوت المرتفع وسيلة تخاطبنا ، وقلة الأدب والاحترام الموضة الرائجة بين شبابنا وعقالنا للأسف ، والكل يشتم الظلام وينتقد ولا يبحث عن الحل في إصلاح نفسه وتقويم سلوكه ومعاملته والقيام بعمله وواجباته الأسرية والمجتمعية والدينية ، والانكأ من كل ذلك حين تريد الإغاثة والحل من خطيب الجمعة ستجده يتحدث في كوكب آخر ويحدثك عن المسلمين في بورما وروسيا ؟! ، ويشتم أمريكا وإسرائيل ، وآخر يدعو لعلاج شعب الصين الذي يعاني من الإمراض النفسية ؟! .
الحمد لله المعروف عن شعبنا ومواطنينا بأنهم اشد الناس إيمانا وشكرا لله واستجابة لأحكامه وأقداره ، فهم يتحملون الأعباء ونكد الحياة ووطئتها بنفس وقلوب راضية مؤمنة ، لكن هذا التسيب والانفلات والمعاناة اليومية المستمرة تتطلب من المسؤلين والسلطة المحلية القيام بعملهم وواجباتهم ، على الأقل نطلب من مؤسسة الكهرباء تخبر المواطنين عن فترات الانقطاع ليستعدوا لها ، أو على اضعف الإيمان ان يكون هذا الانقطاع مبرمج ويصيب الناس بالتساوي ، لكنك تتفاجا منطقة تنقطع عنها الكهرباء لعشرات ساعات ، ومنطقة أخرى تنعم بالاهتمام والحظوة ، وأخرى نصيبها طفي لصي حتى يكره الناس الكهرباء ويسبوها لأنها تسببت في ماسيهم وتعطيل أجهزتهم الكهربائية والالكترونية ؟! .
هل من مجيب أو مغيث لهذا المواطن المطحون المسكين الذي يعاني في كل ساعة ودقيقة وحياته النكدة أم ان الشكوى لغير الله مذلة ؟! .