من المعيب في القرن الحادي والعشرين أن تتداول أي أمة متحضرة ، فضلا أن تدعي الإسلام وتختزل مرجعية ثقافية وأخلاقية ألفاظ ومصطلحات طائفية ومناطقية " شمالي جنوبي ونحوها " ، لكن هذا العيب عند البعض من أصحاب الدم الأزرق والملكية الحصرية للأخلاق والإسلام وأخلاق مهنة الإعلام والسياسة والزعامة يسقط ويذوب عند نشوب الخلاف والصراع الذي يهدد مصالحهم ، فإذا قامت ثورة في الشمال ، واستعمل فيها قاموس كبير من السباب والشتم والقتل والتصفيات ومهاجمة المعسكرات وتفجير مؤسسات الدولة المدنية ، وقطع الطرق وتفجير أنابيب النفط والكهرباء فتلك ثورة عظيمة وقوانين الثورة تسمح وتشجع هذه الأعمال غير السلمية لنجاح الثورة ومن أجل التخلص من الظلم والطغيان ، ولا تتعجب حين تقرأ مئات البيانات والفتاوى التي تبرر هذه الأعمال ، وتشرعها وتصف من يهلك فيها بالشهيد الذي تصرف له دولة الوحدة المبالغ الطائلة تحت عنوان صندوق رعاية شهداء الثورة .
هذه الأخلاق الهابطة تصف ما يحدث في الجنوب من هبة ومطالب شعبية وسياسية وحقوقية بالقتل والإجرام والتخريب والدعوة للانفصال ، وقتل الشماليين الأبرياء من قبل الشياطين الجنوبيين والحضارمة ، فهذه العقلية تكشف منطقا مختلا مثل منطق التعامل مع الوحدة قبل مؤتمر الحوار وبعده ــ" ابحث عن المصالح " .
لا تكاد تنقطع على مدار الساعات الاتصالات من وسائل الإعلام اليمنية والعربية التي يتصدرها السؤال الجوهري والأساس كم من الشماليين سقطوا جرحى وتضررت محلاتهم وتعرضوا للمضايقة ؟! ، فقد تمَّ قلب الصورة تماما في وسائل إعلامهم الوطنية الطائفية ، فصارت قضية الجنوبيين والمطالبة بحقوقهم الشرعية والسياسية قضية فرعية لا تقبل النقاش ولا تتسع صدور السادة الجدد في صنعاء حتى للوقوف معاها كذبا وزورا وبهتانا ، وأزيلت قضية مقتل بن حبريش بقذائف الدشكة والأسلحة الثقيلة من قبل المليشيات المتربعة بالجيش من قبل نقطة مستحدثة حادثا عرضيا أو حادثا إرهابيا أو على أفضل حال اشتباكات وسوء فهم .
أيها السادة من أصحاب الدم الأزرق ليس كل شمالي من الملائكة وليس كل جنوبي من الشياطين ، فهذا الهوس الإعلامي والسياسي بالوحدة من قبل البعض والجهات المشبوهة التي خربت اليمن باعترافاتها وسياساتها لا ينطلق من مقومات أخلاقية ولا سياسية ولا دينية ، وإنما لاستمرار المصالح وتفعيل عقلية النهب والفيد والغنائم .
بعد سنتين من مسرحية الحوار وهزلية الثورة ما زال الجنوب وحضرموت يعيش في واقع معاشي وسياسي ويومي يتصف بالظلم والتجاهل واستبدال ظلم سياسي بظلم ديني ومذهبي ، فالوحدة التي يتغنى بها أصحاب نظرية الأصل " صنعاء " والفرع " الجنوب " تموت في القلوب وبين الشعوب كل يوم مئات المرات ، فلا جدوى من مؤتمرات وحوارات توصف بالوطنية وسيل من الكلمات والشعارات الزائفة عن الوحدة اليمنية " وحدة المصالح والنفط والأرض " . نرجوكم لا تحدثونا عن الوطنية أو عن الحضارمة ودورهم في نشر الإسلام والثقافة والحضارة ؛ لان عقلية الكثير من النخب المركزية لا تعرف غير لغة العنف والقوة والمواجهة لغة تخاطب وسياسية وفكر للأسف .