(عجب العواجب من لعن ناتفة الحواجب)

2024-10-26 09:23

 

إنَّ الدين الإسلاميَّ العظيم، هو دينٌ واقعيٌّ كلَّ الواقعية، وعقلانيٌّ كلَّ العقلانية، وإن الشارع الحكيم لم يكن ليُحَرِّم على أتباع هذا الدين ما لا ضرر فيه، بل فيه جمالٌ لهم وحُسْنُ هيئة.

 

ومن هذا المنطلق، فإننا نَرُدُّ - وبقوَّة - ما ورد في الموروث من أن النبي قد قام بلعن نساء أمَّتِه إنْ هُنَّ لم يُرْزَقْنَ حواجبَ جميلة، بل كانت حواجبهن شعثاءَ كثيفةً لا تسر الناظرين والناظرات، فقُمْنَ بنتف ما حال دون ظهور أقواس العيون من شعر زائد بالمظهر المقبول.

 

ووالله إن رجلًا قد بَشَّرَ الله العالَم به، بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة 128 ، لا يمكن أن يكون لَعَّانًا لأمته.

 

كما أن المرويات لم تذكر أن هذا هو ما نطق به الرسول الأعظم والنبي الأكرم - عليه الصلاة والسلام - بل هو مِن قولٍ لابن مسعودٍ لَعَنَ فيه أولئك النسوة وسَمَّاهنَّ بالنوامص أو النامصات أو المتنمِّصات، فلما أُنْكِرَ عليه ذلك قال: "وما لي لا ألعن مَن لعنهنَّ رسول الله؟".

 

وهذا دليل على ضعف الرواية وتهافُتِها؛ لأنه لا يمكن للصحابي الجليل وأحد أهل الله وخاصته الذين هم أهل القرآن، أن يبادر باللعن ثم يبرر، بل لو كان الأمر صحيحًا لبدأ بقوله: "قال رسول الله" أو "سمعتُ رسول الله يقول".

 

كما أن هناك اضطرابًا آخر، وهو أنه ورد في صحيح مسلم (2125) أنه ذكر اللعن، ثم ورد في سنن ابن داود (160/6) أن النبي إنما "نَهَى" ولم يلعَنْ، وشَتَّانَ شَتَّان. 

 

وإن هذه المرويات المختلَقَة وأشباهها، هي التي يتكئ إليها - بتلذُّذ واستمتاع - الكارهون للحياة، والعاشقون للتضييق على عباد الله، أولئك الذين جَرُؤوا على الافتئات على الله بتحريم ما لم يُحَرِّمْه في كتابه المجيد، الذي هو - وحدَه فقط - حجة الله علينا؛ لأنه هو - وحده فقط - النص المحفوظ عبر مئات ومئات السنين، حتى وصلَنا غَضًّا طَرِيًّا كأنما نزل بالأمس، وقد وصلنا حرفًا بحرف، في معجرةٍ إلهيةٍ واضحةٍ لمَن كان له قلبٌ أو أَلْقَى السمعَ وهو شهيد.

 

هذا وإن عِلَّةَ المحرمات في الإسلام لا تخرج عن أمرين اثنين لا ثالث لهما: الإخلال بحق الله في التوحيد الخالص، والإضرار بالنفس أو الآخرين.

 

وقد صاغ الشيخُ الرئيسُ "ابنُ سِيْنَا" هذا المعنى في بيتين بديعين، إذ قال:

 

كُنْ كيف شئتَ فإن الله ذو كرمٍ

وما عليك إذا أذنبتَ من باسِ

 

إلا اثنتين فلا تقربْهما أبدًا

الشركَ بالله والإضرارَ بالناسِ